السنة كلها، وإنما أراد الشهر، فصار ذلك بيانا للمراد بخلاف نسخ
الكل قبل وقت فعله؛ لأنه يكون قد نسخ ما تناوله الأمر وذلك بَداء.
جوابه:
يجاب عنه بأن العبارة: " واصلوا الفعل سنة "، والسنة لا يعبر
بها عن الشهر لا حقيقة ولا مجازاً، بل هي عبارة عن اثني عشر
شهراً، فنسخه قبل ذلك هو النسخ قبل الوقت.
الدليل الثالث: الوقوع، بيان ذلك:
أن اللَّه أمر إبراهيم - عليه السلام - بذبح ابنه فقال سبحانه:
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) .، ثم نسخ ذلك قبل التمكن من الذبح فقال: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) ، فقد وقع - هنا - النسخ قبل التمكن من الفعل، والوقوع دليل الجواز.
وهناك وجوه قد دلَّت على أن إبراهيم قد أمر بالذبح هي كما يلي:
الوجه الأول: قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) ، فقال تعالى - حكاية عن ابن إبراهيم -: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) .
فإن قول الابن - يدل على أن هناك أمراً بالذبح صدر من اللَّه إلى
إبراهيم؛ لأن معنى قوله: (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) : افعل ما أمرت به،
ويجب الحمل عليه ضرورة حمل الولد، وإخراجه إلى الصحراء،
وأخذ آلات الذبح، وترويع الولد، فإن ذلك كله محرم من غير أمر
من اللَّه تعالى، ولا إذن منه سبحانه.