مثال آخر: تحريم الخمر، فإنه سبحانه بيَّن أولاً ما في الخمر من
الإثم والنفع، وإن إثمه أكبر من نفعه، ثم منع - ثانيا - الصلاة في
حالة السكر، ثم حرَّم الخمر في جميع الأوقات.
مثال ثالث: تحريم الربا: فقد بيَّن - أولاً - ما في الصدقة من
الخير بخلاف الربا، فإنه لا يربو عند اللَّه، ثم بيَّن ثانيا: أن الربا
كان سبباً في تحريم بعض الطيبات على اليهود، ثم نهى - ثالثا -
عن أكل الربا أضعافاً مضاعفة وهو ما كان شائعاً بين أهل الجاهلية،
ثم جاء - رابعاً - التحريم العام الذي لم يختلف فيه.
مثال رابع: عقوبة الزنا جعله الشارع - أولاً - الإيذاء بالقول
للرجال، والحبس في البيوت للنساء، ثم نسخ ذلك إلى الجلد لغير
المحصن، والتغريب والرجم للمحصن.
الحكمة الثانية: استمالة القلوب إلى اعتناق الإسلام كما في مسألة
القبلة.
بيان ذلك: أن الشارع الحكيم لم يشأ أن يفاجئ أهل الكتاب من
اليهود الذين كانوا في المدينة بخلاف ما عهدوه من أنبيائهم من الصلاة
إلى بيت المقدس، فجاء الأمر بالصلاة نحو بيت المقدس؛ لبيان أن
وجهة الرُّسُل واحدة، وأنه لا يخالف الأنبياء السابقين، وما ذلك إلا
لاستمالة قلوبهم إلى هذا الدين، فلما نسخ ذلك وأمر بالتوجه إلى
الكعبة لم يستغرب ذلك أكثرهم.
الحكمة التالثة: الابتداء والامتحان، وهذا في النسخ من الأشد
إلى الأخف، ليظهر المؤمن الحق فيفوز، وليظهر المنافق فيهلك،
وليميز اللَّه الخبيث من الطيب.
ومن أمثلة ذلك: أن اللَّه أمر إبراهيم - عليه السلام - بذبخ ابنه ثم نسخ ذلك.