فالذي لا تثبت حقيقته بوجه يطلق على الفاسد والباطل فلم يكن
- على هذا - بينهما فرق.
بيان نوع الخلاف:
الحنفية لما فرَّقوا بين الباطل والفاسد بنوا على هذا التفريق فروعا
فقهية، ومنها:
1 - أن الشخص لو باع داراً بشرط عدم سكناها، أو بيعها، فإن
هذا البيع فاسد؛ لأجل الشرط المخالف لمقتضى العقد، وهو غير
باطل؛ لأن البيع مشروع في أصله، ولا خلل في أركانه، وإنما لحقه
الفساد من جهة الوصف، وهو اشتماله على الشرط الفاسد.
2 - بيع الدرهم بالدرهمين فاسد؛ لأنه مشروع من حيث كونه
بيعا، ولكنه ممنوع من اتصافه بالربا المنهي عنه.
وقالوا: إن النهي هذا قد ورد لمعنى في غير البيع، وهو الفضل
الخالي عن العوض، فلا ينعدم بذلك أصل المشروعية، فكان
فاسداً، لا باطلاً.
جوابه:
قلت: بعد التحقيق والتدقيق ثبت أنه مع تفريع الحنفية على هذا
التفريق بين الباطل والفاسد، فإن خلافهم مع الجمهور - وهو
مذهبنا - خلاف لفظي لا يترتب عليه آثار؛ فتفريق الحنفية بين الباطل
والفاسد في بعض الأحكام لا يعني أن الخلاف بينهم وبين الجمهور
معنوي؛ بل هو لفظي؛ لأن منشأ التفرقة في الأحكام ليس هو
التفرقة في التسمية، وإنما منشأه عندهم: كون النهي وارداً عن الفعل
لأصله، أو لوصفه، فما ورد النهي عنه لأصله لم يصح بحال.
وما ورد النهي عنه لوصفه يمكن أن يصح إذا زال هذا الوصف.