بالأخذ في أسباب الحصول، وهو ما يعرف بالملكة والتهيؤ، ولا شك
أن كل مجتهد عنده القدرة والملكة التي يستطيع بها استنباط الحكم
واستخراجه إذا لزم الأمر وحدثت حادثة تقتضي ذلك.
فيسمى فقيهاً نظراً لوجود الملكة عنده، فيكون عالماً ببعض
الأحكام بالفعل، والبعض الآخر بالقوة والاستعداد.
وقلنا ذلك لأن " أل " الداخلة على " الحكم ": لا يصح أن تكون
للعهد؛ لأنه لم يتقدم للحكم ذكر حتى تكون للعهد الذكري، ولا
يوجد بين المعرف والمخاطب معرفة وعهد حتى تكون للعهد الذهني.
ولا يصح أن تكون " أل " للجنس؛ لأن أقل جنس الجمع ثلاثة،
فيلزم من ذلك أن يسمى العامي فقيهاً إذا عرف ثلاث مسائل بأدلتها؟
لصدق اسم الفقيه عليه، وليس كذلك.
ولا يصح أن تكون " أل " لمطلق الحقيقة -؛ لأنه يلزم من ذلك أن
من عرف حكماً واحداً بدليله يكون فقيهاً، وليس كذلك.
ولا يصح أن يكون " أل " لاستغراق الجنس؛ لأنه يلزم من كونها
لاستغراق الجنس أن الشخص لا يُسمَّى فقيهاً إلا إذا علم جميع
الأحكام الشرعية الفرعية، فمن لم يعلمها كلها: فإنه يخرج من
زمرة الفقهاء، وهذا باطل؛ لأن الأئمة الأربعة وغيرهم من الفقهاء
كانوا لا يعلمون كل الأحكام، إذ ما من إمام إلا وقد خفي عليه
بعض الأحكام، فقد ذكر الهيثم بن جميل عن الإمام مالك أنه سئل
عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها: " لا
أدري ".
وذكر أبو القاسم بن يوسفما الحسني الحنفي: أن الإمام أبا حنيفة
قال في ثمان مسائل: " لا أدري ".