النهي دفع المفسدة الموجودة في المنهي عنه، والغالب في الأمر
بالشيء جلب المصلحة الموجودة في المأمور به، واهتمام العقلاء بدفع
المفاسد أكثر وأشد من اهتمامهم بجلب المصالح، يؤيد ذلك: أنه
يجب دفع كل المفاسد، ولا يجب جلب كل المصالح.
***
المسألة الرابعة: طرق الترجيح التي ترجع إلى الحكم:
الطريق الأول: ترجيح درء الحد على الموجب له.
إذا تعارض خبران: أحدهما يثبت الحد على عمل مخصوص،
والآخر ينفيه: فإنه يرجح الخبر الثاني - وهو: الذي ينفي الحد -؛
لأمور:
الأول: أن الحد ضرر، والضرر يزال؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
" لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ".
الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"ادرأوا الحدود بالشبهات ".
فالحدود تدفع، وتزال بالشبهات، والحديث المعارض الذي ينفي
الحد أقل درجته يورث الشبهة، فيدفع الحد بها، فيعمل بمقتضى
الحديث النافي له.
الثالث: أن ترك إقامة الحد على من يجب عليه الحد أوْلى من
إقامة الحد على من ليس عليه؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لأن يخطئ أحدكم في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ".
الطريق الثاني: ترجيح الخبر الناقل على الخبر المقرر لحكم الأصل.
فإذا ورد خبران: أحدهما مبقي على البراءة الأصلية، ويوبجب
الثاني النقل عنها، وذكر حكم جديد، فإنه يرجح الثاني؛ لأمرين: