المذهب الثاني: أنه يجوز إجراء القياس في كل الأحكام.
ذهب إلى ذلك بعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
أن الأحكام الشرعية - كلها - من جنس واحد، وتدخل تحت
حد واحد، وهو حد الحكم الشرعي، وحيث ثبت جريان القياس
في بعضها، فانه يثبت جريانه في بعضها الآخر؛ لأنهما متماثلان
ولا فرق بينهما.
جوابه:
لا نسلم أن جميع الأحكام متماثلة، بل بينها فرق؛ حيث إن
بعضها قد يقترن بأمور تجعله يختلف عن بعضها الآخر، ويتميز عنه:
فبعضها ندرك العِلَّة التي من أجلها شرع الحكم، فهذا يجوز فيه
القياس؛ لأن مدارَ القياس مبني على إدراك العِلَّة.
وبعضها الآخر: لا ندرك تلك العِلَّة، فهذا لا يجوز القياس فيها
مطلقاً.
فثبت: أنه مع دخول كل الأحكام تحت حد واحد وهو الحكم
الشرعي، وأنها كلها من اللَّه تعالى، فإنه يوجد بينها فرق من حيث
إدراك العِلَّة وعدم ذلك - كما بينت -.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف لفظي هنا؛ لأن أصحاب المذهب الأول - إنما نفوا جريان
القياس في كل الأحكام بالفعل وإثبات جميعها به؛ بناء على أن من
الأحكام ما تحقق لدينا عدم إدراك معناه، وإن إثبات جميعها به قد
يؤدي إلى أن لا يثبت حكم منها بغيره، وذلك محال؛ لأنه يلزم منه
الدور والتسلسل وهما باطلان.