الأحكام الشرعية، بحيث يرى مجتهد ما لا يراه الآخر لدليل ثبت
عنده: فليس منهياً عنها بدليل: ما اشتهر عن الصحابة أنهم اختلفوا
في مسائل كثيرة تكاد لا تحصى كمسألة الجد والإخوة، والخلع،
والتحريم، والعول، وغيرها، ولو كان الاختلاف والمنازعة منهيا
عنها على الإطلاق: لكان الصحابة قد أخطأوا في ذلك، بل لكانت
الأمَّة كلها مخطئة، وهذا ممتنع؛ لأن الأُمَّة معصومة عن الخطأ.
الجواب الثاني: أنه بناء على اعتقادكم وهو: أن الظن سبيل
الخلاف يكون كل ما أفاد الظن منهيا عنه؛ لأنه يؤدي إلى المنازعة،
فيلزم على هذا: أن لا نعمل بظواهر النصوص، ولا خبر الواحد،
ولا الشهادة، ولا الأدلة العقلية، فتبطل بذلك أغلب أدلة الشرع،
وهذا لا يقوله عاقل.
الدليل الثالث عشر: أن القياس مبني على التعليل، والشريعة
الإسلامية مبنية على التعبد والتحكم، فالقياس على هذا لا يمكن في
الشريعة، لعدم التناسب بينهما.
أما الدليل على أن القياس مبني على التعليل فهو قولكم: إن مدار
القياس على العلَّة، فإن وجدت عِلَّة الأصل في الفرع ألحقناه به،
وإن لم توجد لا يجوز الإلحاق.
وأما الدليل على أن الشريعة مبنية على التعبد والتحكم، فهو أنها
تفرق بين المتماثلات في الحكم، وتجمع بين المختلفات في الحكم.
أما التفرقة بين المتماثلات فمنها الصور التالية:
الأولى: أن الشارع رخص في قصر الصلاة في الرباعية في حق
المسافر، دون الثلاثية والثنائية مع أن الصلوات متماثلة.