وإلا انتقض بدلالات الكتاب والسُّنَّة على الأحكام، فإنها كلها
ظنية، ومع ذلك يجوز العمل بها بالإجماع.
الدليل الرابع: قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) .
وجه الدلالة: أن الحكم بالقياس حكم بغير ما أنزل اللَّه، وكل
حكم لم ينزله اللَّه تعالى ابتداعا في الدين، وهذا منهي عنه،
فالقياس منهي عنه.
جوابه: -
إن الحكتم بالقياس حكم بما أنزل اللَّه؛ لأمرين:
أولهما: أن الله تعالى ورسوله قد دلَّ كلامهما في الكتاب والسُّنَّة
على جواز الحكم بالقياس بواسطة تلك الآيات والأحاديث التي
ذكرناها أثناء استدلالنا على حجية القياس، وإذا كان الأمر كذلك
فالحكم بالقياس يعتبر حبهما بما أنزل اللَّه.
ثانيهما: أن من شروط صحة القياس - كما سيأتي - أن يكون
حكم الأصل ثابتا بكتاب أو سُنَّة، فلا يقاس إلا على ما ثبت بهما،
فيكون العمل بالقياس عملاً بما هو مستنبط من المنزل، وكأنه حكم
بالمنزل وهو الكتاب والسُّنَّة.
الدليل الخامس: قوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) .
وجه الدلالة: أن الآية دلَّت على أن الأُمَّة إذا تنازعت في شيء
ولم تعرف حكمه، فيجب أن تأخذ حكمه من الكتاب والسُّنَّة،
فالحكم بالقياس ليس مردوداً إلى اللَّه ولا إلى رسوله، فيكون ذلك
الماخوذ عن طريق القياس باطلاً.