الدليل الثالث: أن الشخص لو أخبر نجقال: " ما رأيت اليوم
أحداً "، والحقيقة: أنه رأى زيداً، فإن خبره يكون مخالفة للواقع،
وكذبا: فهو أخبر بصيغة عموم - وهي: النكرة في سياق النفي -
أنه ما رأى أحداً، فيقتضي هذا: أنه لم ير أيَّ إنسان، ولكن هذا
خلاف الحقيقة؛ حيث إنه رأى زيداً في الواقع، فيكون خبره كذبا
ونقضا، ومخالفا للواقع، فلو لم تفد النكرة في سياق النفي العموم
لما صح تكذيبه.
الدليل الرابع: أن القضاة والحكام والمفتين يبنون على أن تلك
الصيغ والألفاظ تفيد العموم إذا نطق بها المتكلم، وعلى ذلك أمثلة:
منها: أن السيد لو قال: " أعتقت عبيدي وإمائي "، ثم بعد
ذلك مات مباشرة، فإنه يُحكم على أن جميع العبيد والإماء أحرار؛
حيث إنه تكلم بصيغة من صيغ العموم وهي: الجمع المنكر المضاف
إلى معرفة الوارد في قوله: " عبيدي وإمائي "، وعلى ذلك جاز لمن
سمع هذا القول: أن يزوج عبيده، ويتزوج من إمائه بغير إذن
الورثة؛ لأنهم بهذه الصيغة أصبحوا أحراراً لا دخل لأحد بهم، ولو
لم يكن الجمع المنكر المضاف إلى معرفة مفيداً للعموم لما كان ذلك.
ومنها: لو قال السيد: " العبيد الذين فى يدي ملك زيد "، فإن
القاضي يحكم بأن جميع العبيد ملك لزيد؛ لأن السيد ذكر في كلامه
صيغة عموم، وهي الجمع المعرف بـ " أل ".
ومنها: لو قال زيد لعمرو: " لي عليك ألف ريال "، فقال
عمرو: " ما لك عليّ شيء "، لكان هذا إنكاراً لجميع الألف؛
لأنه عبر بصيغة عموم وهي: النكرة في سياق النفي.