الدليل الثالث: قياس كلام الشارع على كلام المكلَّفين، بيانه:

أنه لا خلاف بين أهل اللغة: أن السيد إذا قال لعبد واحد من

عبيده: " افعل كذا وكذا " لم يدخل بقية عبيده في ذلك الأمر،

فكذلك إذا أمر اللَّه نبيه بأمر لم تدخل فيه الأُمَّة، وكذلك الأمر

للصحابي الواحد لا يعم غيره من الصحابة.

جوابه:

إن هذا - أيضا - قياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق، ووجه

الفرق: أن لفظ صاحب الشرع أدل على العموم من لفظ غيره

بدليل: أنه لو قال اللَّه تعالى لنبيه، أو قال - صلى الله عليه وسلم - لبعض أُمته: "صم " لأنك صليت " دخل في ذلك كل مصل؛ اعتباراً بتعليله، أما

لو قال السيد لواحد من عبيده: " اسقني ماء؛ لأنك صليت " لم

يدخل غيره من عبيده المصلين في ذلك، ولو قال: " والله لا آكل

السكر؛ لأنه حلو " لم يدخل في يمينه غيره من الحلويات، فكلام

الشارع يختلف عن كلام المكلَّفين.

بيان نوع الخلاف:

لقد اختلف في الخلاف هنا هل هو معنوي أو لفظي على قولين:

القول الأول: إن الخلاف معنوي.

وهو الحق؛ لأن أصحاب المذهب الأول قصدوا: أن دخول

الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الخطابات الموجهة إلى الأُمَّة، ودخول الأُمَّة في الخطابات الموجهة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ودخول بقية الصحابة في الخطاب الموجه إلى فرد منهم: ثبت عن طريق اللفظ والنص، ولا يخرج كل واحد من هؤلاء عن خطاب الآخر إلا بدليل خارجي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015