مجلساً عند هاروت وماروت، وهيأ جنوده هناك ليعلم السحر؛ فكل من أتاه من الآدميين، فإنما يقصد في الظاهر هاروت وماروت، فإذا أتاه وأشرك أعطاه من ذلك العهد وقيض له عونا شياطينه لا يفارقه، يكون معه حيثما ذهب ينفث ويعقد باسم المسحور، فجعل السحر بذلك المقصود له في ذلك؛ وذلك قوله عزوجل: (وَمِن شَرِ النَفَاثاتِ في العُقَد) .
وإنما ينفث الساحر شيطانه الذى هو فيه، والشيطان خلق من نار، فإذا أشرك وخرج منه التوحيد لزم الشيطان قلبه، فإذا نفث في العقد هيج جميع ما في جسد هذا المسحور، وأخذ أعضاءه بتلك العقد.
وهذا ممن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة. وإنما هى داران: دنيا، وآخرة.. مجتاز متزود منها بلغة إلى دار الله في داره؛ فقد نزع أمله، وشخص قلبه إليها، فمنع مناه من هذه إلا ما هيأه الله من رزق، وهو مقتض عليه الشكر، وأعطى في الآخرة مناه وشهواته.
كذلك هذا الساحر لما أشرك، أعطى من الدنيا ما اشتهت نفسه من طريق السحر، على قدر ما أعطى إبليس من السلطان في إدراك الأشياء وتعجلها وتكونها له على مناه؛ استدراجا ومكرا لينتقم منه ومن أتباعه من الشياطين والآدميين يوم القيامة.
وهذا بلوى من الله لعباده؛ فوصف الله تعالى ذلك في تنزيله فقال: (وَما كَفَرَ سُليمانَ وَلَكِن الشَيَاطينَ كَفَرُوا) . وذلك أنه لما مات