وأما قوله: (ونهى عن الكذب) .
فإن القول بالكذب هو افتراء على الله؛ ولذلك قيل: الكذب مجانب الإيمان؛ لأنه إذا قال (كان كذا) ولم يكن ذلك الشيء؛ فقد زعم أن الله تعالى قد كون ذلك الشيء؛ لأنه لا كائن إلا بمكون، فإذا قال (كان) ولم يكونه الله صار كذبا على الله. وإذا قال لشيء وقد كان (إنه لم يكن) فقد نفى ما كونه الله، فقال الله تعالى: (إِنّما يَفتَرى الكَذِبَ الذّينَ لاَ يُؤمِنونَ بِآَياتِ الله) .
ولو أبيح الكذب لم تستقر القلوب على شيء عند وجود الأخبار، فكان القائل يقول والقلب لا يطمئن لقوله؛ لأنه لا يدرى أصدق أم كذب. فلما حرم الكذب بان الصدق، واستقرت القلوب على أخبار القائلين. ومن ظهر كذبه افتضح، وانتهك ستره، وهان، وذل، فوقع الحذر من الكذب، فاطمأنت القلوب لأخبار المخبرين.