وأهل الكفر في عمى من ذلك، فكانت نفوسهم تنازع وتتبع الغائب، فإذا لم تجد صاح ورن النوح التعديد بعد أحوال الغائب وما كان ألفا به، ويتوجع، ويتفجع؛ فليس عنده نور المعرفة فيطفى به ثائرته. فذلك الصراخ من سخطه على ربه في حكمه، وضيق صدره بما حل به من حكمه، يضيق عن التسليم لأنه ضاق عن النور من أن يلج فيه؛ فيصرخ، ويرن، وينتف الشعر، ويشق جيبا، ويخمش وجها، ويعدو أحوال الميت؛ توجعا وأسفا على ذلك.
كل ذلك تلظيا على حكم ربه، وسخطا على مقدوره، واشتداد على تدبيره. وإنما أوتى ذلك لأنه متكبر جبار، ومن الجبر والكبر الذى فيه تكبر على الله أن يقول لا إله إلا الله: (إِذَا قيلَ لَهُم لاَ إِلاَّ الله يَستَكبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِناّ لَتارِكُوا آَلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجنون) . لما حجبهم عن رحمته جهلوا الرحمن، ولما قال لهم: وحدوا، استكبروا واشمأزت قلوبهم: (وَإِذا ذُكِرَ الَّذَينَ مِن دُونِهِ إِذا هُم يَستَبشِرونَ) . فعند المصائب والمكاره ضيقت قلوبهم تلك الجبرية التى فيهم؛ فمن ضيق الصدر صرخوا، ونتفوا، وخمشوا، وخدشوا، وشقوا الجيوب. ومنهم من يحرق نفسه، ومنهم من يجدع أنفا وأذنا.