إلا أن هذا إذا عاود كتب المنهج وجد الصواب ما فعل النووي، فقد عزى التقدير وأن مقدارها سنة، إلى أصحابها قاطبة، فضلاً عن أكثرهم " ومنهم ": الشيخ أبو حامد الأسفرائيني في " تعليقه "، وهذه عبارته: قال الشافعي: ويختبر مدة أشهر ينتقل فيها من السيئة إلى الحسنة ويعفّ عن المعاصي، وقال أصحابنا: ويختبر سنة.
وكذلك قال القاضي حسين في " تعليقه "، ولفظه: قال الشافعي: مدة من المدد، قال أصحابنا: سنة، انتهى.
وكذلك الماوردي، ولفظه: وصلاح عمله معتبر بزمان اختلف الفقهاء في حده، فاعتبره بعضهم بستة أشهر، واعتبرها أصحابنا بسنة، انتهى.
وكذلك الشيخ أبو حامد، فإنه قال في " المهذب ": وقدّر أصحابنا المدة بسنة.
وكذلك البغوي في " التهذيب "، وجماعات، كلُّهم عزوا التقدير بسنة إلى الأصحاب فضلاً عن أكثرهم، ولم يقل بعض الأصحاب: إلا القاضي أبو الطيب، والإمام، ومن تبعهما، فإنهم قالوا: قال بعض أصحابنا: يقدر بسنة. قال بعضهم: زاد الإمام إن المحققين على عدم التقدير.
ومن تأمل ما نقلناه أيقن بأن الأكثرين على التقدير بسنة، وبه صرح الرافعي في " المحرر "، ولوّح إليه تلويحاً في " الشرح الصغير ". وظهر حسن صنيع النووي وإن لم يقصده، عناية من الله تعالى به، انتهى كلام التاج.
وكان الحامل له على جزمه بكونه لم يقصده عدم تصريحه بأنه من زياداته، وذلك غير لازم، والله أعلم.
وقال قاضي صفد العثماني: هي خلاصة مذهب الشافعي، وهي عمدة المفتين والحكام بعصرنا. أخبرنا الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن خفاجة الصفدي، وكان من العلماء العاملين، قال: رأيت رسول الله صلى اله عليه وسلم بمنامي، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في النووي، قال: نعم الرجل النووي. فقلت: صنّف كتاباً وسماه " الروضة " فما تقول فيها؟ قال: هي الروضة كما سماها.
وأول من أدخلها قوص: نور الدين علي بن الشهاب هبة الأسنائي، الشافعي، كتبها بخطه وأدخلها قوص.
" حول شرح مسلم " وقال ابن كثير في وصف " شرح مسلم ": إنه جمع فيه شروحات من تقدّم من المغاربة وغيرهم، وزاد فيه ونقص، انتهى كلامه.
وقد اختصره الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف بن الياس، القونوي، الحنفي، صاحب " درر البحار "، وتعقب عليه فيه مواضع، وقال مرة: هو أزهد مني، لكني ... وذكر شيئاَ لا أثبته.
وكذا انتفى منه الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي، واستدرك عليه في كثير منه، فالتقط شيخنا من كلامه الاستدراك خاصة في كراسة.
وكذا استدرك شيخنا على الشيخ مواضع كان عزمه إفرادها من هوامش نسخته، فما اتفق، مع أنه كان شديد الدب معه، حتى سمعته مراراً يقول: لا أعلم نظيره في قبول مقالة عند سائر أرباب الطوائف، قال: وفي التعقبات لابن العماد على الجمال الأسنوي بركة ظاهرة للشيخين، وقال: أخبرني الجمال محمد بن أبي بكر المصري بزُبَيْد، أنه شاهد الجمال أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر الرَّيْمي اليماني، القاضي الشافعي، عند موته وقد اندلع لسانه واسودّ فكانوا يرون أن ذلك بسبب اعتراضه وكثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي. ونحوه فيما بلغني ما اتفق لشخص كرماني من اليمن في عصر ابن المقرئ وغيره، وكان ينازع في إطلاق النووي تحريم النظر للأمرد، كأنه لكونه كان منتمياً لابن عربي، ويطلق لسانه فيه بسبب ذلك وشبهه، فإنه لم يمت حتى سقط لسانه، رحمه الله ونفعنا ببركته.
وكتب شيخنا على فُتيا تتعلق بمسألة إفراد الصلاة عن السلام، بعد مخالفته له في إطلاق الكراهة؛ ولعله " يعني الشيخ " أطلع لذلك على دليل خاص، وأنشد:
إذا قالت حذام فصدِّقوها ... فإن القول ما قالت حذام
ثم وقفت على كراسه من أول نكت شيخنا على " شرح مسلم " قال فيها: قصد بجمعها بركة الشارح، إذ كان ذلك أمراً متفقاً عليه.
ولقد حكى لي العلامة الرباني الكمال إمام الكاملية وشيخها " بورك في حياته ": أنه رآه في النوم وعليه ثوب " طرح مدقوق غسيل "، قال: فقبلت يده وسلمت عليه، ودعا لي كثيراً، وقلت له: إنه يشق عليّ من يعترض عليك، فقال: إنهم يعملون وجه الحسنة سيئة، انتهى المنام.
ولم يزل أهل التحقيق ممن أدركناهم وأخذنا عنهم، لا ينفكون عن الاعتناء بكلامه، والجواب عما لعل فيه بعض الإيهام، رحمة الله عليهم.
" حول كتابيه: التحقيق، والتحرير "