(لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمسكنه كان في الدنيا) أصل التركيب لأحدهم أدل -أي أعلم -بمسكنه في الجنة من مسكنه الذي كان في الدنيا، فاللام داخلة على جواب القسم للتأكيد. و"أحد" مبتدأ وأدل خبر، "وبمسكنه" متعلق بأدل "وفي الجنة" متعلق بمحذوف صفة لمسكنه، أي بمسكنه الكائن في الجنة، وكان صلة لموصول محذوف هو صفة لمسكن الثانية، والباء فيه بمعنى من والتقدير من مسكنه الذي كان في الدنيا.
-[فقه الحديث]-
قال ابن بطال: المقاصة في هذا الحديث هي لقوم دون قوم، هم قوم لا تستغرق مظالمهم حسناتهم، لأنها لو استغرقت جميع حسناتهم لكانوا ممن وجب لهم العذاب، ولما جاز أن يقال فيهم: "خلصوا من النار" فهي لقوم لهم حقوق وعليهم تبعات يسيرة، إذ المقاصة مفاعلة لا تكون إلا من اثنين فكأن لكل واحد منهما على أخيه مظلمة، وعليه له مظلمة، ولا يرجع أحد منهم إلى النار. وهناك أقوام من المؤمنين لا يحبسون. بل إذا خرجوا بثوا على أنهار الجنة، وهناك أقوام من المؤمنين يلتقطهم عنق من النار. أما هذه القنطرة فيحتمل أن تكون طرفا من الصراط من جهة الجنة، كالجزء الواقع على اليابس من القنطرة المقامة على النيل، وقيل: هي قنطرة مستقلة غير متصلة بالصراط، وهو الظاهر وغايته مخالفة المشهور من أن في القيامة جسرا واحدا هو الصراط لا جسرين، وفي حقيقة المقاصة خلاف، قيل: إنها بالحسنات فمن كانت مظلمته أكثر من مظلمة أخيه أخذ من حسناته، فيدخلون الجنة ويقتطعون فيها المنازل على قدر ما بقي لكل واحد منهم من الحسنات، وقيل: إنها بالقصاص باللطمة ونحوها، فيقال للمظلوم: إن شئت أن تنتصف، وإن شئت أن تعفو، قيل معنى "يتقاصون" يتتاركون لأنه ليس موضع مقاصة ولا محاسبة، لكن يلقي الله عز وجل في قلوبهم العفو لبعضهم عن بعض، ليدخلوا الجنة وليس في قلب أحد غل من أحد، والظاهر أن هذه المقاصة من المظالم المتعلقة بالأبدان والأموال معا.