التخفيف، وقال: إن حمل المطلق على المقيد خلاف الظاهر، والإطلاق في قوله صلى الله عليه وسلم "يغرس غرسا أو يزرع زرعا" يتناول من غرسه للتصدق به، ومن غرسه لعياله أو لنفقة، لأن الإنسان يثاب على ما يسرق منه، ولو لم ينو ثوابه، ولا يختص حصول الثواب بمن يباشر الغرس أو الزراعة، بل يتناول من استأجر لعمل ذلك، وللأجير منه أجر كذلك، كالبناء للمسجد يثاب على عمله كما يثاب المنفق على البناء، وذلك بشرط أن يحسن النية.

ويبتغي بذلك وجه الله وإن أخذ أجرته أو أكثر، كذلك الإطلاق في قوله "فيأكل منه طير ... " إلخ يشمل ما لو أكلت هذه المخلوقات بسبب عجزه عن حصاده، أو تركه لبعض الحب في الأرض رغم أنفه، وقد جاء "من زرع زرعا أو غرس غرسا فله أجر ما أصابت منه العوافي" أي طالبات الفضل والرزق. وهذه الرواية تفسر لنا مدى ما يصل إلى الزارع من الثواب، وأنه باق ما بقي ذلك الزرع أو الغرس، أو ما بقي الانتفاع به لو مات زارعه أو غارسه، وبهذا التفسير فسرت رواية مسلم "إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة"، وليس هذا الأجر قاصرا على الغارس أو الزارع بل يعم كل ما في معناهما، فقد ورد "من بنى بيتا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر جار ما انتفع من خلق الرحمن تبارك وتعالى أحد" كذلك من أقام صدقة جارية أو ترك علما ينتفع به أو ولدا صالحا يدعو له، أو علم قرآنا، أو حفر بئرا، أو أجرى نهرا، أو بنى مسجدا، أو مدرسة أو مستشفى، أو نحو ذلك. وللجمع بين هذا الحديث وبين ما رواه الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا "لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا" قيل: إن النهي محمول على الاستكثار من الضياع والانصراف إليها بالقلب الذي يفضي بصاحبه إلى الركون إلى الدنيا، وللجمع بين هذا الحديث الذي يفهم منه تفضيل الزراعة على غيرها من المكاسب وبين الأحاديث الكثيرة الدالة على أفضلية الكسب باليد قيل: إن الزراعة إذا كانت باليد كانت أفضل المكاسب، وقيل إن الكسب باليد أطيبه من حيث الحل، والزراعة أفضل من حيث الانتفاع العام، فهو نفع متعد إلى الغير، وحيث أن الأمر كذلك ينبغي أن يختلف الحال باختلاف حاجة الناس، فحيث كان الناس محتاجين إلى الأقوات أكثر كانت الزراعة أفضل، للتوسعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015