عبد الرحمن: سمعت معاوية خطيبا يقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) قال الزمخشري: تقول: سمعت رجلا يقول كذا، فتوقع السمع على الرجل وتحذف المسموع، لأنك وصفت الرجل بما يسمع، في مثل: سمعت رجلا يقول كذا، أو جعلت ما يسمع حالا من الرجل إذا كان معرفة، كما في "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فأغناك الوصف أو الحال عن ذكر المسموع وهو القول، ولولا الوصف أو الحال لم يكن بد من أن يقال: سمعت قول فلان ... إلخ. انتهى بتصرف.
(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) "يفقهه" بسكون الهاء، مجزوم جوابا للشرط، أي يفهمه، يقال: فقه بضم القاف إذا صار فقيها والفقه سجية له، وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم، وفقه بالكسر إذا فهم.
وفقهه الله، صيره وجعله يفهم، ويسابق في الفهم، ويصبح الفهم سجية وملكة له، ولما كان الفقه في اللغة يشمل الفهم في أي من الأمور، دنيوية أو أخروية خصه هنا بالفهم في الدين، أي فهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم سواء كان في العقائد، أو الأحكام الفرعية، أو مطلق التفسير أو مطلق الحديث أو الآداب، وهو المراد من الخير الخير الأخروي، ونكر "خيرا" ليشمل القليل والكثير، بناء على أن التفقه في الدين موزع يزيد وينقص على مختلف الفقهاء.
(وإنما أنا قاسم، والله عز وجل يعطي) "إنما" أداة قصر، وهو هنا من قصر الموصوف على صفة، وهو غير حقيقي بل إضافي، قصر قلب لمن يعتقد أنه معط فقط، وقصر إفراد لمن يعتقد أنه قاسم ومعط، أي أنا قاسم ولست معطيا أي ما أنا إلا واسطة مناولة وتوصيل، والعطاء الحقيقي كله من الله. والمقسوم والمعطي محذوف للتعميم، أي كل ما أوصله ليس لي فيه إلا المناولة وقصر المقسوم والمعطي على مال الفيء والصدقة مراعاة لسبب ورود الحديث أو قصره على الموحي به وتبليغه مراعاة لصدر الحديث "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" وقصره على هذا أو ذاك تضييق لواسع. لكن أيا من هذين الأمرين يصلح وجه ارتباط بين هذه الجملة وبين صدر