-[المعنى العام]-
من الجلي أن يكون لإمام البشر خصائص وأعمال يقوم بها لا يستطيعها سائر المكلفين، ومن ذلك قيام الليل، ووصال الصيام، أما قيام الليل فقد احتجب به عنهم، وأما وصال الصيام فقد نهاهم عنه بعد ما حاولوه، نهاهم محافظة منه على صحتهم وقوتهم فإن الإسلام لم يعدهم للصلاة والصيام فحسب، وإنما يدخر قوتهم للحرب والجهاد، والكفاح في سبيل العيش، وتخليف جيل قوي شديد يرهب الأعداء، وراجع النهي مسلم غيور على الاقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تواصل يا رسول الله ولنا بك أسوة حسنة، وأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله يعينه على الوصال أكثر مما يعينهم: أيكم مثلي؟ إني أظل عند ربي في ساحة ذكره ومعارفه، فكأنه يطعمني ويسقيني، ويطمع الصحابة في هذه المنزلة الرفيعة فيصرون على الوصال، ويرد عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم عمليا فيواصل بهم يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من رمضان، فيهل هلال شوال وقد بلغ منهم الجهد كل مبلغ، وأصابهم الكلال، وأضعف من قوتهم الوصال، ويرى الرسول صلى الله عليه وسلم حالهم وتجلدهم فيقول: لو لم يهل هلال شوال لواصلت بكم وصالا حتى يدع المتعمقون تعمقهم، لا تتطلبوا من العبادة ما يجهدكم، وتكلفوا من العمل ما تطيقون.
-[المباحث العربية]-
(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم) مفعول "نهى" محذوف تقديره: نهى أصحابه. وحقيقة الوصال في الصيام أن يصوم يومين أو أكثر، ولا يتناول مطعوما بالليل عمدا بلا عذر. واختلفوا في الجماع والاستقاءة ليلا. هل تخرج عن الوصال أو لا؟
(وأيكم مثلي؟ ) الواو عاطفة على جملة مفهومة من المقام تقديرها: هذا شأني، وأيكم مثلي؟ والاستفهام يفيد التوبيخ المشعر بالاستبعاد، وقوله "مثلي" أي على صفتي ومنزلتي من ربي.
(إني أبيت) وفي رواية "إني أظل" والمراد بلفظ "أظل" مطلق الكون ولا