(لزقت كل حلقة) من حلقات الدرع، وفي رواية لمسلم "انقبضت" وفي رواية "غاصت كل حلقة مكانها" وفي رواية "قلصت" أي تضامت واجتمعت والمفاد في الكل واحد.
(فهو يوسعها) أي يحاول توسيعها.
إجراء التشبيه، يعرف مثل هذا عند علماء البلاغة بتشبيه التمثيل وهو تشبيه هيئة بهيئة. والحاصل هنا تشبيه هيئتين بهيئتين. الأولى تشبيه هيئة المنفق الذي يعالج حرص النفس البشرية إلى السخاء، ويبذل من ماله إلى المستحقين ووجوه الخير، كلما بذل انشرح صدره للبذل، فداوم أو زاد، حتى يصبح السخاء طبيعة وحتى يغطي السخاء سلوكه، بهيئة من يلبس ثوبا من حلقات حديدية، يتجمع عند اللبس على أعلى صدره، فيحرك يديه وجوارحه، ويوسعه ويفرده ويمده ويبسطه ويشد أطرافه، حتى يغطي الثوب جميع جسده من أنامل يديه إلى حافة قدميه، بل يزيد حتى يزحف على الأرض، بهذا يأمن المنفق من عذاب الله، وبهذا يستر معاصيه، وبهذا يتقي النار، كما يتقي من يغطيه درعه أذى عدوه.
الهيئة الثانية: تشبيه هيئة البخيل الذي غلبه الشح فلم يستطع علاج نفسه الحريصة، بل كلما هم أو فكر في الصدقة غلبه الشح وضاق صدره وزاد خوفه وحرصه، بهيئة من يبدأ لبس ثوب من حلقات حديدية، يتجمع الثوب حول رقبته وعلى أعلى صدره، كلما هم بتوسعته أو مده أو بسطه لا يقوى على ذلك، بل تزداد الحلقات انكماشا، وضغطا على صدره، والتصاقا بجسده، بهذا يتعرض البخيل لعذاب الله، وينكشف أمام معاصيه، ويودي بنفسه إلى النار، كما ينكشف من لا يستره درعه، ويمكن منه عدوه.
قال المهلب: المراد أن الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة، بخلاف البخيل فإنه يفضحه في الدارين. أهـ. وهو قريب مما قدمنا. وقيل: هو تمثيل لنماء المال بالصدقة، ولعدم نمائه بالبخل.