عبدة المال يحصي كل يوم ما جمع، ويندفع نحو الزيادة كالمسعور، أو العطشان الذي يزيده شرب المالح عطشا.

الحقيقة التي يغفلون عنها أن الله هو واهب المال، وأنه يرزق عبده من حيث لا يحتسب، وأنه قادر على أن يخسف بالمال وبصاحبه الأرض، وأنه الآمر بالصدقة، وأنه الذي يثيب على الإعطاء بغير حساب.

هذه الحقيقة يغفل عنها البخلاء، ويؤمن بها الأسخياء {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} ولئلا يكون للغني عذر يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المثل المحسوس لعل الذي لا يدرك المعقول يفهم عن طريق المحسوس. إن السخي الجواد المنفق على نفسه وعياله والأقربين والفقراء وفي سبيل الله يوسع الله عليه في الدنيا ويستره في الدارين، ويحميه من مصارع السوء في الدنيا، ومن النار في الآخرة كالذي يلبس درعا من حديد يوسعه على نفسه حتى يغطي أطراف أصابع يديه ورجليه ويزيد حتى يجر على الأرض وبهذا يكون في سعة، ويكون في مأمن من أعدائه ويكون مستور العورة في الدنيا، أما البخيل الشحيح الذي لا يؤدي حق الله في ماله فيضيق عليه الله في الدنيا ولو ضيقا نفسيا، ويفضحه بين الخلق في الدنيا والآخرة ويعرض نفسه لنكبات الزمان في الدنيا، وللنار في الآخرة. كالذي يلتصق درعه في أعلى صدره ولا يستر جسده، فيكشف أمام أعدائه ويتعرض للأخطار.

{ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم.}

-[المباحث العربية]-

(مثل البخيل والمنفق) المفروض أن يقول: مثل البخيل والسخي، إذ مقابل البخل السخاء، ولكنه وضع المنفق موضع السخي إشعارا بأن مجرد الإنفاق فيما أمر به الشارع وندب إليه يزيل البخل، ويقابله، وليس شرطا لإزالة البخل العطاء الزائد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015