يكون عارفا بالمتقرب إليه، وهو في حين فعله للخير لم يحصل له العلم بالله بعد، وحيث لا يصح منه التقرب فلا يثاب على ما فعل، ولهذا قال الفقهاء: لا يصح من الكافر عبادة، ولو أسلم لم يعتد بها، وعلى هذا القول يفسر قول الرسول صلى الله عليه وسلم "أسلمت على ما سلف من خير" على معنى اكتسبت طباعا جميلة، وأنت تنتفع بتلك الطباع في الإسلام، وتكون تلك العادة تمهيدا لك، ومعونة على فعل الخير، أو معناها اكتسبت بذلك ثناء جميلا فهو باق عليك في الإسلام ومعناها أنه ببركة ما سبق لك من خير هداك الله تعالى إلى الإسلام، وأن من ظهر منه خير في أول أمره فهو دليل على سعادة آخره وحسن عاقبته.
ونحن نرجح الرأي الأول ونعتمده، فإنه يشجع الإحسان والإصلاح للإنسانية في كافة مجتمعاتها، فالعمل الذي يساير مطلوب الإسلام -وإن اختل شرطه -لا يتساوى مع العمل الذي ينفر منه الإسلام ويحاربه، إذ لا يستوي الخبيث والطيب ثم من ذا الذي يمنع فضل الله وكرمه من أن يلحق من أسلم ورجع إليه وأناب؟ وإذا كنا نجيز أن يبدل الله سيئات التائب حسنات أفلا تجيز أن يكافئ على حسنات العاصي التي فعلها حال عصيانه؟ وهي ولا شك مكافأة دون مكافأة المطيع، ونجيز أن يتفضل الله على عبده ابتداء من غير عمل، كما يتفضل على العاجز بثواب ما كان يعمل وهو قادر، فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل ألا يجوز أن يكتب له ثواب ما عمله غير مستوف للشروط؟
أما قول الفقهاء: لا تصح العبادة من الكافر، ولو أسلم لا يعتد بها فمرادهم أنه لا يعتد بها في أحكام الدنيا، وليس فيه تعرض لثواب الآخرة، بل إن بعض الفقهاء اعتدوا بعبادة الكافر في أحكام الدنيا، فقد قال بعض الشافعية، إذا أجنب واغتسل في حال كفره ثم أسلم لا يجب عليه إعادة الغسل، بل بالغ بعضهم وقال: يصح من كل كافر كل طهارة من غسل ووضوء، وإذا أسلم صلى بها. وفي الأم. وتصح نية التقرب من الكافر، وما عللوا به من الجهل بالمتقرب إليه إن عنوا به أنه يجهله مطلقا منع، لأنه