أما من قال: إن المراد باليد العليا المتعففة عن السؤال فهي وإن كانت أعلى من السائلة لكن إرادتها لا تتوافق مع المقابلة، ولا مع مورد الحديث، وتقصر الهدف من الحديث على الحض على ترك السؤال.

وأما أن اليد السفلى هي المانعة للصدقة فهي وإن كانت في الواقع سفلى لكي مساق الحديث والمقابلة تأباها. والإشكال في اليد الآخذة من غير سؤال. هل تعتبر سفلى؟ وتقابل باليد المعطية؟

جمهور العلماء يرفضون ذلك بشدة، فيقول ابن حبان: اليد المتصدقة أفضل من السائلة، لا الآخذة بغير سؤال، إذ محال أن تكون اليد التي أبيح لها استعمال فعل. محال أن تكون باستعماله دون من فرض عليه إتيان شيء فأتى به، أو تقرب به إلى ربه متنفلا، فربما كان الأخذ لما أبيح له أفضل وأورع من الذي يعطي. أهـ. وقال ابن العربي: التحقيق أن السفلى يد السائل، وأما الآخذ فلا، لأن يد الله هي المعطية، ويد الله هي الآخذة. وكلتاهما عليا، وكلتاهما يمين. أهـ. ورد عليه الحافظ ابن حجر بأن البحث في أيدي الآدميين، وأما يد الله فعليا على كل حال.

وقال جماعة من المتصوفة: إن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقا. حكاه ابن قتيبة عن جماعة، ثم قال: وما أرى هؤلاء إلا قوما استطابوا السؤال، فهم يحتجون للدناءة.

والتحقيق ما قاله الحافظ ابن حجر: أن التفاضل هنا يرجع إلى الإعطاء والأخذ، ولا يلزم منه أن يكون المعطي أفضل من الآخذ على الإطلاق. أهـ. ومقصوده أن الإعطاء في حد ذاته أفضل من الأخذ في حد ذاته، أما من حيثيات أخرى قد يكون الآخذ أتقى وأورع من المعطي. وهو كلام جيد. ثم قال: ومحصل ما في الآثار أن أعلى الأيدي المنفقة، ثم المتعففة عن الأخذ، ثم الآخذة بغير سؤال: وأسفل الأيدي السائلة والمانعة.

وأما عن النقطة الثانية: فقد قال البخاري: لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج، أو أهله متحاجون أو عليه دين فالدين أحق أن يقضى من الصدقة، ليس له أن يتلف أموال الناس. وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015