حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة -أي يجذب النفوس المحتاجة وغير المحتاجة فتأخذ من شخص راض ومن شخص متأفف -فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع. يا حكيم. اليد العليا -أي المعطية المنفقة -خير من اليد السفلى -أي السائلة الآخذة -وابدأ في الإنفاق بنفسك، ثم زوجك ثم من تعول الأهم فالمهم، وأفضل الصدقة وأعلاها ثوابا ما كانت عن غنى من صاحبها عنها، فلا يتبع عينه ما أعطى، ولا يستكثر القليل ولا يمن على الفقير. يا حكيم. من يطلب العفة من الله، ويروض نفسه عليها ويمسك يده وماء وجهه عن الناس يعفه الله ويعزه، ويسد حاجته، ويقنعه بما رزقه ومن يطلب الغنى من الله، ويطلب من نفسه عد ما عنده من نعم، وينظر إلى من دونه يغنه الله ويحس بالغنى والرضا والسعادة.
وهكذا جمع الحديث الشريف حث الأغنياء والقادرين على الصدقة، وحث الفقراء والمحتاجين على العفة والترفع عن ذل السؤال، وحث المنفقين على أن يبدءوا بالأهم فالمهم، وحث المتصدقين أن لا يتبعوا ما أنفقوا منا ولا أذى، وحث على القناعة والرضى وطلب الغنى من الله وحده. بذلك تكون السعادة في الدنيا والآخرة.
-[المباحث العربية]-
(اليد العليا خير من اليد السفلى) قيل: اليد العليا المنفقة المعطية، وقيل: المتعففة عن السؤال مع الحاجة، فالعلو بالنسبة للأولى حسي، وبالنسبة للثانية معنوي، كما في قولهم: ترفع عن الدنايا، أو ترفع عن السؤال. وأما اليد السفلى فقيل: هي الآخذة مطلقا، وقيل: هي السائلة وقيل: هي المانعة.
وسيأتي مزيد لهذه المسألة في فقه الحديث.
(وابدأ بمن تعول) الخطاب لكل منفق، والواو للاستئناف، أي ابتدئ أيها المنفق بأولويات الإنفاق وبالأهم فالمهم ممن يجب عليك نفقتهم.