مجتمع متفرق لا يضمه هدف، ولا تجمعه غاية، يغير بعضه على بعض، وتترفع القبيلة على أختها، فحارب الإسلام هذه العصبية، وسوى بين الناس كأسنان المشط ونادى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}

"ولا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى" وكان لا بد من وسائل تقود إلى غرس هذا المبدأ، وكان لا بد من تدريبات عملية تطبع المسلمين على الإحساس بالاجتماع والألفة والمساواة، فكانت صلاة الجماعة. يقف المسلمون فيها صفوفا كصفوف الملائكة، مستقيمة متراصة المناكب متلاصقة، والأقدام متحاذية، الغني بجوار الفقير، والعظيم بجوار الوضيع، الكل يتحرك حركة واحدة، ويسكن سكونا واحدا، فإذا ما قضيت الصلاة التقوا، وتعارفوا، ودرسوا مصالحهم وعرفوا غائبهم، فكانت الفوائد الكثيرة في صلاة الجماعة، فكان الحث عليها والترغيب فيها.

ولما كانت بعض الروايات تربط الفضل بصلاة الجماعة، بقطع النظر عن كونها في المسجد، أو في البيت، أو في المتجر، أو في المصنع، أو في المدرسة ولما كانت بعض الروايات -كحديثنا -تربط صلاة الجماعة الفاضلة بالمسجد قال ابن دقيق العيد: والذي يظهر من المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا، لكنه خرج مخرج الغالب، في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا. اهـ.

وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد الذي يصلي فيه الجمعة، مع تقرير نوع من الفضل للجماعة في غيره، وجاء عن بعضهم قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في أي مسجد، دون البيت والسوق، أخذا بظاهر حديثنا، مع تقرير نوع من الفضل للجماعة في البيت والسوق ونحوهما.

والذي تستريح إليه النفس أن التضعيف إلى خمس وعشرين عام في الجماعات على المنفرد، في أي مكان، مع تقرير نوع زائد من الفضل للجماعة في المسجد، ونوع زيادة من الفضل للجماعة في مسجد الجماعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015