فلانا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر وإنما العادة في مثل هذا أن يقال لعنه الله تعرض لقطع اليد في بيضة حقيرة وفي حبل رث وعلى هذا فالحديث محمول على المبالغة في التنبيه على عظم ما خسر وتحقير ما حصل فحقيقة البيضة والحبل غير مقصود كقوله صلى الله عليه وسلم "من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاه" فمن المعلوم أن مفحص القطاة وهو قدر ما تحتضن به بيضها لا يتسع للجبهة فلا يتصور أن يكون مسجدا ومنه "تصدقن ولو بظلف محرق" وقال الخطابي إن الحديث من باب التدريج لأنه إذا استمر ذلك به لم يأمن أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقه حتى يبلغ فيه القطع فتقطع يده فليحذر هذا الفعل وليتركه قبل أن تملكه العادة
ومعنى ذلك أن في الحديث حذفا اعتمادا على المعلوم من الأحاديث الأخرى والأصل يسرق البيضة فيعتاد السرقة فيسرق النصاب فتقطع يده وقال بعضهم لما نزل قوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} مطلقا غير مقيد قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث على ظاهر ما نزل ثم أعلمه الله أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار فصاعدا فأخبر الأمة بذلك في الأحاديث الأخرى ومعنى ذلك أن الحديث الذي معنا منسوخ وقد استدل بهذا الحديث على جواز لعن الفاسق غير المعين من العصاة مطلقا إذ لا ينبغي تعيير أهل المعاصي ومواجهتهم باللعن وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من قبل فعلهم ليكون ذلك ردعا وزجرا عن انتهاك شيء منها ويحتمل أن لا يراد به حقيقة اللعن بل التنفير فإذا وقعت من معين لم يلعن بعينه لئلا يقنط وييأس ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن النعيمان بعد أن أقيم عليه الحد وأجاز بعضهم لعن من لم يقم عليه الحد سواء سمي وعين أم لا ما دام على الحالة الموجبة للطرد من رحمة الله فإذا تاب منها وطهره الحد فلا لعنة تتوجه إليه.