(مغبون فيهما كثير من الناس) إما مشتق من الغبن بسكون الباء وهو النقص في البيع وإما من الغبن بفتح الباء وهو النقص في الرأي فكأنه قال هذان الأمران إذا لم يستعملا فيما ينبغي فقد غبن صاحبهما أي باعهما ببخس لا تحمد عقباه أو ليس له في ذلك رأي و"كثير" مرفوع بالابتداء و"مغبون" خبر مقدم والجملة خبر "نعمتان"
(الصحة والفراغ) خبر مبتدأ محذوف تقديره هما الصحة والفراغ والجملة استئناف لبيان النعمتين ففيه التفصيل بعد الإجمال
-[فقه الحديث]-
يرمي الحديث إلى التشمير والجد والعمل والحرص على النعمة والاستفادة منها واختار من النعم التي لا تحصى نعمتين خصهما من بينها لعظم فائدتهما وكثرة الغافلين عن استغلالهما بأنك لا تكاد ترى من يذكر الصحة إلا من فقدها حتى قال بعضهم الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى كما أن كثيرا من الناس لا يحسب للزمن حسابا فيقطعه في اللهو ويستكثر الفراغ ويؤخر الهام من الأمور إلى الغد وهو لا يدري أن الذي يدعوه إلى التسويف اليوم موجود غدا وأن الأيام التي تمر محسوبة من العمر المحدود وكان الرسول في هذا الحديث يقول الصحة والفراغ إن لم يستعملا فيما ينبغي فقد غبن صاحبهما فيهما أي باعهما ببخس لا تحمد عاقبته فإن الإنسان إذا لم يعمل الطاعة في زمن صحته ففي زمن المرض من باب أولى وكذلك شأنه في الفراغ أيضا وقد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا للعبادة لانشغاله بالمعاش وبالعكس فإذا تهيأ للعبد الصحة والفراغ وقصر في نيل الفضائل فذلك هو الغبن كل الغبن لأن الدنيا سوق الأرباح وتجارة الآخرة فمن استغل فراغه وصحته في طاعة مولاه فهو المغبوط ومن استعملها في معصيته فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم قال صلى الله عليه وسلم "أغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك"