شرك هذه الأمراض وكم من مخالط للمرضى نجا من خطرها وذلك لنعلم أن أهم شروط العدوى إرادة الله فالأمراض المعدية من الأسباب الظاهرية التي لا تأثير لها بطبعها في إحداث المرض فإنه قد يتخلف مع حصول المخالطة كما يشاهد كثيرا ولو كان مؤثرا بطبعه لما تخلف المرض في بعض الوقائع وكانت العرب في جاهليتها الأولى تعتقد أن التأثير بالذات للأمراض المعدية متى وجدت المخالطة فنفى صلى الله عليه وسلم أن تكون العدوى أثرا للمخالطة بذاتها فقال "لا عدوى" أي مسببة عن مرض المخالطة بطبعه وذاته بل بتأثير الله تعالى فالنفي ليس منصبا على ذات العدوى بل على وصفها
أما الطيرة فقد كانت العرب تعتقد أن من أراد البدء في عمل أو الشروع في سفر فإنه يحسن به أن يتوثق أولا من نجاحه أو إخفاقه بأن يزجر الطير الذي يلاقيه فإن انصرف إلى جهة اليمين تفاءل وشرع في عمله وإن انصرف إلى غيرها تشاءم ورجع عن عمله فنفى صلى الله عليه وسلم شرعة التطير ليعلم أنه ليس لذلك العمل تأثير في جلب نفع أو دفع ضر ومثل الطير كل ما يتشاءم منه فيحول دون المضي في أمر كان يعتزم المضي فيه أما التفاؤل فقد رخص فيه لأنه لا يعطل المصالح
2 - وأما الهامة فقد كانوا يعتقدون أن روح القتيل الذي لا يؤخذ بثأره تصير طائرا يطير بالليل ويصيح قائلا اسقوني من دم قاتلي ولا تزال هكذا حتى يثأر له فتستقر في مكانها -وهذا- فضلا عن أنه خيال لا أصل له -فيه إغراء بسفك الدماء وإثارة الفتن وإلهاب لحمية الجاهلية ومحاربة لما جاء به الدين وقيل إن المراد بالهامة البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم رأى أنها ناعية إليه نفسه أو بعض أهله والأول أولى لدخول الثاني في التطير
3 - وأما صفر فقد كان العرب يتشاءمون من دخول هذا الشهر ويتوهمون فيه كثرة الدواهي لوقوعه بعد الأشهر الحرم فكانوا لا يعقدون فيه زواجا ولا يشرعون في عمل جديد ولا ينشئون سفرا لتجارة ولا لغيرها