(معالم) السنن) ، فيقول: ((ورأيت أهل العلم في زمننا (وهو القرن الرابع) قد حصلوا حزبين، وانقسموا فرقتين: أصحاب حديثٍ وأثر، وأهل فقهٍ ونظر. وكل واحدةٍ منهما لا تتميز عن أختها في الحاجة، ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغيه والإرادة. (إلى أن قال:) ووجدت هذين الفريقين على ما بينهم من التداني في المحلين، والتقارب في المنزلتين، وعموم الحاجة من بعضهم إلى بعض، وشمول الفاقة اللازمة لكل منهم إلى صاحبه = إخواناً متهاجرين! وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين.
فأما هذه الطبقة، الذين هم أهل الحديث والأثر: فإن الأكثرين منهم إنما وكدهم الروايات وجمع الطرق، وطلب الغريب والشاذ من الحديث الذي أكثره موضوع أو مقلوب. لا يراعون المتون، ولا يتفهمون المعاني ...
(إلى أن قال:) وأما الطبقة الأخرى، وهم أهل الفقه والنظر: فغن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون صحيحه من سقيمه ن ولا يعرفون جيده من رديئه ... (إلى أن قال:) ولكن اقواماً استوعروا طريق الحق، واستطالوا المدة في درك الحظ، وأحبوا عجالة النيل، فاختصروا طريق العلم، واقتصروا على نتفٍ منتزعة ٍ عن معاني اصول الفقه، سموها عللاً، وجعلوها شعاراً لأنفسهم في الترسم برسم العلم، وجعلوها جنةً عند لقاء خصومهم، ونصبوها دريئةً للخوض والجدال ...
(إلى أن قال:) هذا وقد دس لهم الشيطان حيلةًً لطيفة، وبلغ منهم مكيدة بليغة، فقال لهم: هذا الذي في أيديكم علم قصير، وبضاعة مزجاة، لا تفي بمبلغ الحاجة والكفاية،