والحرب بينهما، ولا احتمال لوقوع هدنةٍ تؤدي إلى نوع من التقارب والتأثر!

فهذان العائقان (قوة علوم السنة ورسوخها ووضوح التنافر بين علوم السنة والعلوم العقلية) هما بوابة حماية علوم السنة. وبينهما تلازم وتكامل في عوامل بقائهما، فإذا ضعف أحد هذين العائقين، فكلاهما، أمكن أن يلج علم غريب على علوم السنة، وأن يتطفل عليها من لا يحسنها.

لكن لما دخل القرن الهجري الرابع، بدأ هذان العائقان بالضعف، مما فتح ثغرةً للعلوم العقلية بالتأثير على العلوم النقلية.

ومن ذلك، ما سبق أن ذكرناه (?) ، من أن هذا القرن (الرابع) شهد تقهقراً في العلوم النقلية، ونقصاًَ في عدد ونوعية طلابها. مما فتح المجال للعلوم العقلية أن تجلب إليها طاقاتٍ معطلة أو شبه معطلة، ليكون ذلك بداية تقدم العلوم العقلية على تلقي العلوم النقلية.

وهذا دوره أقرز تلك الظاهرة الغريبة على الوسط العلمي الإسلامي، وهي ظاهرة التمايز الواضح بين الفقهاء والمحدثين. مع أن الأمة قبل ذلك، لم تكن تعرف هذا التمايز الحاد، إنما كانت تعيش وسطاً علمياً طبعياً سليماً، يعترف باختلاف المواهب والقدرات، لكن مع قدر كبير ٍ من التمازج والشمول في تلقي العلوم الإسلامية.

ويصف لنا الإمام الخطابي (أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم، المتوفي سنة 388هـ) هذه الظاهرة، في مقدمة كتابه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015