لذلك فإن من وجوه الغلو في تفسير كلام أهل الاصطلاح أيضاً: تسليط معايير علم المنطق عليه، ومحاسبة شرحهم للمصطلح بصناعة الحدود المنطقية. وكم جار هذا الغو على علم المصطلح! وكم ظلم عبارات أهل الاصطلاح!! إذ إن اعتبار شرح أهل المصطلح لمصطلحهم جارٍ على أصول المنطقيين، سوف يجعلنا نفهم ذلك الشرح ذا السهولة والسليقة العربية البعيدة عن التعقيد، لخوجها من أهل الاصطلاح على ذلك النحو الآنف الذكر= على غير مراد قائليه، وبما لم يخطر على بالهم!!
ومثال ذلك: فيما لو قال أحد أهل الاصطلاح: ((الشاذ: أن يروي الثقة حديثاً يخالف فيه الناس)) (?) ، فإننا بشرط (الجمع والمنع) المشترط في صناعة المعرفات المنطقية، سوف أفهم أن هذا هو الشاذ كله، ولا شاذ سواه. مع أن ذلك قد لا يكون خطر على بال قائله من أهل الاصطلاح، وإنما أراد التنبيه على أهم أنواع الشذوذ، أو على أشدها أثراً على قبول الحديث، أو على أكثرها وقوعاً، أو أشدها أثراً على قبول الحديث، أو وإن جاز وصف غيرها بذلك أيضاً.. أو غير ذلك من احتمالات معنى الشرح غير الجاري على أصول المناطقة.
وليس معنى ذلك أن لا نفهم الكلام على ما يدل عليه ظاهر اللفظ ومنطوقه، بل نحن نطالب بذلك. فإن ظاهر اللفظ ومنطوقه في العبارة السابقة إنما يقول: عن مخالفة الثقة للناس شذوذ، ولم يقل إن كل ما سوى هذه الصورة ليس (شاذاً) ، ولا أن هذا هو الشذوذ وحده. ولا نريد أن نحمل الكلام غير هذا المنى، إلا إذا دل دليل خارجي على غيره.