أما مظاهر هذا الصف القوي الموحد فقد بدت على الصور التالية:
أولا: إن مجرد استجابة المهاجرين والأنصار للنفير هو دليل حي على مدى الطاعة والالتزام والانضباط في هذا الصف، فبعد أقل من سنة على غزوة الأحزاب كان هذا التحرك بهذا العدد الضئيل ألف وخمسمائة فلا ينسى المسلمون أن الأحزاب غزوهم بعشرة آلاف مقاتل.
فكيف يتحرك هذا الجمع الضئيل من المئات إلى مشارف مكة. ولا شك أن الدافع الإيماني القوي هو الذي حدا بالمسلمين إلى الإستجابة. إذ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قص عليهم رؤياه أنه دخل البيت وحلق رأسه وأخذ مفتاح البيت، وعرف مع المعرفين (?)، وإنها لجرأة متناهية أن يغامر المسلمون بألف وخمسمائة رجل يتجهون بهم إلى مكة التي تعلن الحرب عليهم.
ثانيا: وكانت حرب الأعصاب الأولى التي تلقاها هذا الصف المسلم بعسفان حيث لقيه بشر بن سفيان قائلا له: يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل (?) قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا. وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم. فقال عليه الصلاة والسلام يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة.
فما تظن قريش فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة (?)، (?).
وعندما يسمع جيش هذا الوصف لتحرك قريش بشيبها وشبابها ونسائها وأطفالها لمواجهة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا بد أن يصيبه الذعر ويتخلخل من الرعب وتنتشر به الفوضى وصراع الآراء لكن جيش النبوة الملتزم بقيادته قد تجاوز هذه المرحلة والضعفاء المخذولون المتخاذلون ولو كانوا موجودين في داخل الجيش هم أجبن من أن يرفعوا عقيرتهم بالمخالفة أو يظهروا هلعهم وجبنهم ويدعوا إلى الإستسلام أو الفرار. فأي قوة في الصف تعدل هذه القوة؟
لكن الجانب الآخر من القضية هو الجانب السياسي. فهذه أول مرة يعلن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رغبته في تجنب الحرب مع قريش ودعوتها إلى المهادنة، وذلك صمن خط