وحين نقارن بين زواج هذه المرحلة وسابقتها، نلاحظ فرقا واضحا في الاتجاه يحدد ملامح المرحلة نفسها ونستطيع القول إن سمة الزواج في المرحلة السابقة ينصب على بناء وتمتين الصف الداخلي، بينما تظهر سمة الزواج في هذه المرحلة من خلال العمل على كسب الصف الخارجي وجعله معبرا لنشر الدعوة في الأرض العربية. ولنقف لحظات سريعة عند كل واحدة منهن:
أم حبيبة، رملة بنت أبي سفيان، وقد عقد عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي في أرض الحبشة وأكرم غربتها في سبيل الله بعد ردة زوجها عبيد الله بن جحش، وكونها ابنة زعيم قريش ذات دلالة ضخمة على تقريب القلوب وتأليفها من هذا القائد الكبير. ولقد رأينا أثر هذا الزواج قريب فتح مكة حيث جاء أبو سفيان ونزل ضيفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي بيت ابنته ولا يزال على شركه، وموقفه من الدعوة. ولا نشك أن موقف ابنته منه من خلال فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورغم أنه جرحه في أعماقه. لكن كان له أكبر الأثر الخفي في أن يعيد النظر في مواقفه وعدائه للدعوة. وأن يفقه من خلاله عظمة هذا الدين وعظمة رجاله ونسائه.
لقد طوت فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أبي سفيان فقال لها:
(يا بنية أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأنت رجل نجس على شركك، فقال: والله لقد أصابك بعدي شر) (?).
وللتعرف على أثر هذا الزواج في نفس أبي سفيان نلاحظ أنه بعد إسلامه يعرض ابنته الثانية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزواج منها، فيعتذر رسول الله أنه لا يحل له ذلك.
زينب بنت جحش، وهي زوجة مولاه زيد، رضي الله عنه وقد هاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الزواج هيبة عظيمة تحدث عنها القرآن بقوله جل وعلا: (.. وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ..) (?) لكن الأمر الرباني جاءه بذلك ليحطم العادة المستأصلة في المجتمع عادة التبني من خلال الواقع العملي بعد القرار النظري ولتعلم الدنيا ذلك كما يقول القرآن الكريم.
{لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ..} (?)
وإن كان هذا الزواج يحتمل صفة البناء الداخلي فهو يحمل كذلك صفة البناء الخارجي إذ أن زينب رضي الله عنها هي أول امرأة غير قرشية يتزوجها عليه الصلاة والسلام فهي من بني أسد وإن كانت ابنة عمته.