تمهيد

المرحلة الثانية: الجهاد السياسي وانتصار الرسالة

الخط العام الذي ينتظم هذه المرحلة هو الخط السياسي. لكن ضمن إطار القوة المكافئة.

فتعاظم قوة المسلمين، وتحولهم إلى شوكة مرهوبة الجانب أتاح لقائد الدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - الفرصة لعرض أفكاره وهيأ النفوس للاستماع لها إذ أن الناس قلما يصغون إلى غير القوي. وكما نشهد اليوم الحرب الدعائية بين الدولتين القويتين في العالم إذ تتقاسمان مناطق النفوذ، وأن هذه الدول قلما تضطر لاستعمال قوتها العسكرية إلا تحت ضغط الظروف الطارئة. نجد تلك الصورة في ذلك الوقت.

صحيح أن غزوة الخندق لم تحقق نصرا قويا للمسلمين. لكنها أكدت في الوقت ذاته أن المسلمين قوة لا تقهر، وفشل أضخم هجوم عربي على المدينة. يعني أن الكفة بدأت بالرجحان لصالح المسلمين. وجعل هذا الأمر عند المشركين يأسا قاتلا من إمكانية الانتصار على محمد صلوات الله وسلامه عليه.

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصا كل الحرص على أن يعمق هذا المعنى في صفوف المشركين.

فراح يطاردهم في أعماق أرضهم، وهو ينفذ القول الذي أعلنه:

(الآن نغزوهم ولا يغزونا)

وسنعرض للسمات المحددة لهذه المرحلة بالتفصيل:

السمة الأولى: التحدي المعنوي للمشركين

ولعل عرض المقريزي لغزوة بني لحيان يوضح هذه السمة حيث كانت غزوة تحمل طابع حرب الأعصاب أكثر مما تحمل طابع الحرب النظامية .. فلقد كانت قوة المسلمين فيها لا تعدو مائتي رجل معهم عشرون فارسا. وكانت المهمة بث الرعب في صفوف العدو، والثأر لأصحاب الرجيع، خبيب وأصحابه الذين غدر بهم بنو لحيان وقتلوهم، وكان هذا الأمر قبل سنتين من هذا الموعد.

أما الهدف الأول فقد تحقق حين فر بنو لحيان وتمنعوا في رؤوس الجبال ولم يجرؤوا على المواجهة ولكن لهذا الهدف آمادا أبعد وأعمق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015