وإذا كان كذلك، وكان الدعاء سؤالا وطلبا وجب تجريد الطلب لأنه أخشع من خلافه فإن الطلب إذا كان تدللا، فكل ما كان منه أخلص وأبين كان التذلل فيه أشد والله أعلم.

وأما الفصل الخامس: فقد جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سأل سأل ثلاثا، وإذا دعا دعا ثلاثا. وقد يجوز أن يدخل في هذا الباب الإلحاح، ولكن لأن الدعاء اوله وآخره على الله عز وجل وذكر له بمدائحه، وهو جل ثناؤه قال: {اذكروا الله ذكرا} وأقل الكثير ثلاث والله أعلم.

وأما الفصل السادس: وهو أن لا يستشعر البأس إذا دعا فلم يظهر الإجابة ولكنه يدعو ما دامت الحاجة قائمة ولا يقطع الرجاء. فإن هذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يستجاب لأحدكم ما يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي فيخسر عند ذلك الدعاء) وهذا لأنه قد جاء في حديث آخر: (إن الله تعالى إذا أحب عبدا أخر إجابته ليسمع صوته، وإذا أبغض عبدا عجل إجابته أو ألقى البأس في صدره).

فلا ينبغي للعبد أن يقطع الدعاء إذا لم ير له إجابة عاجلة، بل يحسن الظن بالله تعالى ويرجو أن يكون تأخيره إجابة دعائه لأنه ممن يحبه، فأراد أن يسمع تضرعه، فإن لم يقدر على هذا ولم تطاوعه نفسه عليه، واستشعر بأسا فأمسك عن الدعاء خيف أن يكون ممن كره الله صوته عن الدعاء بالإقناط.

وأما الفصل السابع: وهو الاقتصاد في الدعاء على الجوامع، فلأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (أحب الدعاء إلى الله وأعجبه إليه الجوامع) والله أعلم- مثل أن يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأن يقول: اللهم إني أسألك خيرا من خير ما سألك به محمد عبدك ونبيك، ومثل أن يقول. (اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل. وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل). وما أشبه هذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015