وأما المحاسبة فإن الله جل ثناؤه قد أخبر أن في الجنة يسألون، لأنه تعالى قال جزاءا عما يقال لهم يوم القيامة يا معشر الجن والإنس: {ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا: بلى}. وهذا سؤال، وإذا ثبت بعض السؤال ثبت كله، والله أعلم.
فصل
فإن سأل سائل عن الملائكة، هل تكتب أعمالهم يحاسبون ويثابون؟.
قيل له: أما كتبة أعمالهم فما يشبه أن تكون؟ لأن الملائكة هم الذين يكتبون أعمال الناس، ولو كتبت أعمال الملائكة لاحتاج كل ملك إلى كاتب أو اثنين، وذلك الكاتب إلى مثل ذلك إلى ما لا يتناهى. والقول بذلك فاسد.
والمحاسبة أيضا لا معنى لها، لأنهم لا يخلطون الحسنات بالسيئات، وما أكثر من لا يحاسب من بني آدم، فلا تكون الملائكة أولى ولا أدى منزلة منهم.
وأما الإثابة فقد قيل: يرفع التكليف عنهم فيتنعمون بالراحة ويتلذذون بالخفض والدعة، وليسوا من أهل المطاعم والمشارب فيوردون موارد بني آدم من الجنة، ويحتمل أن يكون قد أوضع التكليف غيرهم نعمة أعدها الله لهم ولا تبلغها أفهامنا وعقولنا، فإنه تعالى يقول: (أعددت لبعادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). وإذا جاز أن يعيد للناس مثل هذا الثواب المغيب، فأولى أن يكون ذلك للملائكة والله أعلم.
فصل
إن سأل سائل: عن قول الله عز وجل: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار يتعارفون بينهم} فقال: التعارف بينهم يكون بالكلام. وقد قال الله عز وجل