ووجه آخر: وهو أن الله عز وجل وصف يوم الدين بأنه {يوم لا تملك نفس لنفس شيئا} ولو جازت الشفاعة لأصحاب الكبائر ونفعت لكان قد ملكت فيه نفس لنفس أعظم الأشياء وهو الخلاص من النار وذلك خلاف ما وصف الله تعالى به ذلك اليوم.
ووجه آخر: لما نزل قول الله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله فإني لا أغني عنكم من الله شيئا)، خص عين واحد منهم بمثل ذلك، حتى قال: (يا فاطمة بنت محمد، اشتري نفسك من الله، فإني لا أغني عنك من الله شيئا).
فدل ذلك على أن الشفاعة يوم الدين لا تقع لأصحاب الكبائر لما جاز أن يخبر بها أمته، ولكان إخفاء خبرها عنهم أولى من إخفاء ليلة القدر لئلا يتكلون، لأن في علمهم ذلك تجزئة الشقاق، وحملانهم على أن يغرموا بضروب الفسق وينهمكوا فيها، متكلين على الشفاعة.
وفي ذلك بطلان حكم الله تعالى في الوعيد، وتنزيل النبي صلى الله عليه وسلم منزلة من يقول: إن الله تعالى يوعدكم بالنار، ولكن لا يأمن عليكم فإني أشفع لكم، وهذا غير جائز على أن يخرجه وينقصه. والدليل على ذلك أنه إذا ثبت لم يحتج أن تجريد الإقرار، فلو كان خارجا من الإيمان لم يعد إليه بعقد جديد. وفي اجتماع الأمة على أنه محتاج في ثبوت الإيمان له إلى عقد جديد، وما دل على أنه خارج من الإيمان.
ووجه آخر: وهو أن إجماعهم على أنه لا يكفي، والله عز وجل يقول: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن. فقسم هذي القسمين. فلما لم يكن صاحب الكبيرة كافر أظهر أنه مؤمن.
ووجه ثالث: وهو أن إيمانه أكبر طاعته، وكل ذنب طول الكفر، فليس بأكبر معاصيه، فلم يجز أن يحبط الأصغر الأكبر، كما لا يجوز أن يقال: الصغائر تحيط الإيمان، أو ما يتفرع عنه من فرائض الطاعات.