وجواب ثالث: وهو أن الله عز وجل إنما نفى الغيبة عن الجحيم بعد صلتها عن الفجار أجمعين، ولذلك يقول: لا تغيبون عنها حتى لا يبقى فيها أحد منهم، وأما بعضهم فيدعون أن تغيب عنها، وإذا احتملت الآية ذلك، وجب تنزيلها عليه لما سبق ذكره.
فإن قيل: على الجواب الأول: روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إلا أن الصدق يدعو إلى البر، والبر يدعو إلى الجنة، والكذب يدعو إلى الفجور، والفجور في النار)، وإنما أراد بذلك أن التوحيد الذي هو صدق يدعو إلى تحقيق ما صدر منه عن اللسان بالأفعال التي كلها بر، ويوجب لصالحها الجنة، والكفر الذي هو كذب، ويدعو إلى موافقة ما نهى الله عنه أو ذلك فجور يوجب لصاحبها النار. فثبت أن الفجور اسم الإفساد في العمل.
فالجواب: إن الصدق نفسه بر، يقال: في يمينه إذا صدقها، وفجور في يمينه إذا كذبها، واليمين الفاجرة هي الكاذبة، وكان معنى الحديث: (إن الصدق هو يدعو إلى ما يكون برا مثله، والكفر الذي هو فجور يدعو إلى ما يكون فجورا مثله) وذلك ما لا ينكر والله أعلم.
والذي يخالفوننا في هذا، لهم أصول عليها، بنوا قولهم في التخليد إحداهما أن قالوا: إن الوعد كالوعيد، فلما كان أحد الذين وعد الله تعالى الجنة لا يجوز أن يدخلها لأن ذلك إذا كان أخلف بوعد فصار كذبا، والكذب ينفي عن الله، فكذلك أحد الذين أوعدهم الله تعالى النار لا يجوز أن يدخلها لأن (الله) لا يخلف وعيده فيصير كذبا. وهو جل ثناؤه وقد أوعد من غير التائبين النار، فلا بد لهم من أن يدخلوها.
والثاني: قولهم: أن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن وإنما هو فاسق، والفسق منزلة بين الإيمان والكفر، والجنة دار المؤمنين فمن لم يكن مؤمنا فلا حظ له فيها. والثالث أنهم يقولون لا يجوز أن يشفع النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكبائر من وجوه أحدها أن الله تعالى مدح الملائكة {لا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون}، دل ذلك على أن الشفاعة لأصحاب الكبائر مخالفة لخشية الله تعالى فلا يجوز وجودها من النبي صلى الله عليه وسلم.