قيل: لأنه مأمور بتلك الخيرات بالأمر الذي بلغه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله جل وثناؤه، فإذا لم تثبت له طاعته، وأما الأمر المتقدم فقد تناهى وزال قيام الحجة به، ولولا أن هذا هكذا لكانت بعض رسالة رسل المتقدمين باقية، ولكان الرسل إلى بني إسرائيل في بعض محمد صلى الله عليه وسلم وحده، فمن لم يثبت الأمر الذي بلغه على لسانه لم تثبت له طاعة الأمر، ولم يكسب بما يفعل بر ولا قربة.

فإن قيل: أرأيت إن كان للكافر إنما يفعل هذه الحسنات لأنه يجدها حسنة في عقله، ويجد الإحسان حسنا، والعقل داعية من دواعي الله تعالى، فلا تزول على حكمه طاعة.

قيل: إن الأمر المقرون بالوعد والوعيد هو السمعي، فمن لم يفعل ما يفعله من الخير لأمر يثبته فلا طاعة منه تستحق به الجزاء.

فإن قيل: قفوا، إن لم يثبت الأمر لم يثبت له عصيانه كما قلتم، إن من لم يثبت الأمر لم تثبت له طاعته، فلزمكم على هذا أن لا يكون المعطلة عصاه.

قيل: إن العصيان إنما هو مفارقة الأمر وترك العمل به، وجحد الأمر من أعظم الدواعي إلى ترك العمل به، فاستحال أن يقال: إن لم يثبت الأمر لم يؤخذ منه عصيانه وأما الطاعة فهم العمل بالأمر وجحد الأمر ليس من الدواعي إلى العمل لكنه من الموانع، فاستحال أن تثبت طاعة الأمر ممن لا يثبت، لأن الشيء لا يوجد مع مواقعه، وإنما يوجد عند وجود دواعيه وبالله التوفيق.

ومما يدل على صحة هذا القول، قول الله جل ثناؤه: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}، فإن أعمالهم الصالحة في أنفسها لم تنفعهم، وخفف عنهم العذاب لأجلها لما كانت هباء منثورا. وقال جل ثناؤه: {عاملة ناصبة، تصلى نارا حامية}، وذاك أيضا إشارة إلى نصيب الكافر في عمله الذي يرى أنه طاعة له وقربة لا تجدي عليه شيئا، ولا تدفع عنه من شدة حمى النار شيئا والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015