ولا لقائل أن يقول: وجود الحسنات منه كوجوه السيئات من المؤمن لأن الحسنات طاعة والكافر لا يثب الجنة دار المطيعين والكافر لا طاعة منه، وأما السيئة فهي معصية المؤمن، فثبت الأمر الذي يتصرف العصيان إليه، فصحت السيئة منه ولهذا جاز أن يستوجب بها النار.
وإذا كان كذلك صح أن حسنات الكافر لا يجوز أن توزن ليجزي بها خيرا، وأقصى ما يكون أن يقال فيها: إنها توزن قطعا بحجته، وعلى معنى أن يقال: إن كانت خيرا بلى هذه فقد وزناها إلا أن الكفة لما قابلها رجح بها وأحبطها، فما ذلك بعد هذا فأما على غير هذا الوجه فلا يمكن أن يكون موزونة والله أعلم.
ولا يصح لأصحابنا من هذا الوضع قول سوى هذا، لأنهم إن قالوا: إن تثبت حسناته كما تثبت سيئات المؤمن، وإنها تحبط بقدرها من سيئات الكافر كما تحبط سيئات المسلم بقدرها من حسناته، فماذا تهيأ لهم أن يقولون إذا لم يبق للكافر سيئات وخلص الأمر إلى كفره.
فإن قالوا: لا تحبط حسناته من أصل كفره شيئا، فماذا ثواب حسناته وقد حرم الله عليه الجنة، وإن قالوا تحبط، لزمهم أن يقولوا أن حسناته إذا ترادفت لم ترك يحيط من أصل كفره الشيء بعد الشيء حتى يحيط جميعه.
فإذا قالوا: كذلك يكون، قيل لهم: أن يكون هذا الكافر بعد ذلك ولا دار إلا الجنة أو النار، ولاحظ في واحد منهما، فيضطرون عند ذلك إلى ترك هذا القول، ولا يعرض لهم مثل هذا في سيئات المؤمن، لأن الله تعالى لم يحرم النار على المسلمين، ما حرم من الجنة حتى على الكافرين فهم يقولون: إن سيئات المؤمن تحبط حسناته التي هي دون الإيمان، فإذا لم يبق منها شيء أزهقت نفسه بالنار، ومن أجاز من المتقدمين أن تحبط السيئات ثواب أصل الإيمان. قال: إذا لم يبق من ثوابه شيء فإن كانت له مع ذلك مسيئة باقية خفت عليه النار إلا أن يعفو الله تعالى عنه، وإن لم تكن عليه سيئة باقية، فإن الله تعالى يحسن إليه فيدخله الجنة إما بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ابتداء بالتفضيل عليه ولا يمكن أن يقال في الكافر إن خيراته أحبطت سيئاته كلها أدخل الجنة، فيتبين بهذا تباين الفرقين وبطلان التسوية بين الطبعتين وبالله التوفيق.
فإن قيل: إن كان الكافر مثلما يعمل الخيرات بالأمر الذي يسجله في الكتاب الذي يدين الله تعالى به، فلم لا يكون فعله لها طاعة كما تكون السيئة للمؤمن معصية؟