عودة ماء الطمس على أموال قوم فرعونه كانفلاق البحر، وظهور طرق يابسة فيها بضربة واحدة، وحياة الميت، انقلاب الطين طائراً حياً، وبرء الأكمه والأبرص، فإن هذه أمور لا تمكن إلا من الله جل ثناؤه، فإذا ثبت بها نبوة موسى وعيسى عليهما السالم، وكانت دعوة محمد صلى الله عليه وسلم مشاكلة لدعوتهما، ثبت أن أمره لم يكن من ناحية الجن كما لم يكن أمرهما من ناحيتهم والله أعلم.
ويؤكد هذا أن الكهنة ما كانت لهم دعوة مستجابة في أحوال الضرورات العارضة للناس، وقد كان منها لنبينا صلى الله عليه وسلم ما كان للأنبياء عليهم السلام مثله. فدل ذلك على أنه كان نبياً ولم يكن كاهناً وبالله التوفيق.
فصل
فأما قول ما قال: يجوز أن يكون تابعه محمد وأولياؤه من الجن، هم الذين قاتلوا المشركين ببدر، دون أن يكون الله تعالى أمده بجند من السماء لأجل النبوة!
فالجواب: أن هذا لو كان هكذا لوجب ان يقاتل توابع المشركين وأولياؤهم توابع النبي صلى الله عليه وسلم وحزبه، وإن كانت فعلت هذا، فهلا وجد في المسلمين من قتلى الجنه مثل ما وجد في المشركين من قتلى غير الإنس، فقد كانه الكافر يقع بالأرض قبلا، ولا يرى قاتله، وترى أبدان المشركين طعنات لا تشبه طعنات بني آدم، ولم ير بأحد من المسلمين من مثل هذا شيء، فهذا يبين ان مدد المسلمين لم يكن إلا الملائكة .. التي لا يجوز أن تبصر إلا أولياء الله بأمر الله، وبالله التوفيق.
وأما الشجرة التي دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلت تجر الأرض حتى وقعت بين يديه، لا يخلو من أن يكون فعلها والأمال بها من الجنة أو فعلا لله جل ثناؤه غير منضاف إلى أحد سواه، فإن كان فعلا لله جل ثناؤه ولا يضاف إلى أحد من خلقة منه شيء، فهذا ما قلنا، وإن كان من قبل الجن، فالدلالة به على صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم قائمة، لأن ذلك يدخل في باب تسخير الجن له كما سخروا لسليمان عليه السلام وذلك أن من المعلوم الذي لا يلبس أن الجنه لم تكن تعمل لأحد من الكهنة عملا، وما كانت تريد على أن تخبرها ببعض الحساب، وما مضى من الكاتبات.