الأمين، ثم ازداد فيها حمدا وفضلا، فكان أبعد الناس من أن تؤاتيه مسترقة السمع من الجن، أو تسالمه أو تصحبه.
فثبت من هذا الوجه أيضا بعده عن الكهانة، وهذا هو المعنى الذي أشار الله تعالى إليه بقوله: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أثيم، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون}. وبالله التوفيق.
ومنها أن أمره لو كان من قبل الكهانة لم يخل الجني الذي كان يأتيه من أن يكون مؤمنا أو كافرا، فإن كان كافراً استحال أن يأتيه بغرض الإيمان، وعبادة الرب ويحمد الكفر، وقتال جميع طبقات الكفار. فإن كان مؤمنا استحال أن يقول له وهو ليس بنبي نبياً، وادعى أن الله تعالى أوحى إليك ونباك، لأن من أمر بهذا غيره، أو رضي به كفر! فكيف إذا ظاهره على ذلك بأشياء تشبه في ظواهرها المعجزات ليحيل بها الناس سرفه نحو الحنين عند الجميع، ليرى الناس أن ذلك حنين الجزع، أو قوله عند الذراع: أني مسمومة، ليتوصل القول له ذلك إلى أن يدعي الذراع كلمته.
وإذا كان كذلك، صح أن أمره لم يكن من قبل الكهانة، ولا علمه كان من وجهة مسترقة السمع، فإن ذلك لو كان لم يخل الجني الذي جاء به موسى وعيسى عليهما السلام، وتبرئتهما من الكهانة، فليقل في نبينا صلى الله عليه وسلم قوله فيهما، لأن الذي جاء به كان نظير الذي جاء به موسى وعيسى، أنه لا نظير كهانة الكهان.
وإن كان يزعم أن موسى وعيسى كاهنان كذبتهما المعجزات التي آتياها ما لا يجوز ان يكون للجن فيه صنع بوجه من الوجوه نحو انقلاب العصا حية وانقلاب النيل دماً ثم