وإن ادعوا أنهم يقدرون عليه أو ظنوه. فقال: {قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات {. ثم نقصهم تسعا، فقال: {قل فأتوا بسورة مثله {.

فكان من الأمر ما يصفه غير أن من قبل ذلك دلالة: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان غير مدفوع عند التوافق والتحالف عن الحصافه والمانه، وقوة العقل والرأي من كان بهذه المنزلة، ومع ذلك قد انتصب لدعوة الناس إلى دينه، وذكر لهم أنه رسول الله.

وبلع عن ميله إلى إظهار دينه وحرصه على إدخال الناس في مثله، أن يقاتل ويجاهد ويعاني إلا وابد ويكابد الشدائد، ولم يكن أن يقول للناس ايتوا بسورة من مثلة ما جئتكم به من القرآن، ولن تستطيعوه، فإن أتيتم به فأنا كاذب، وهو يعلم من نفسه أن القرآن لم ينزل عليه وهو الذي تولى وضعه ويعلم أولا ما من أن يكون في قوله من يعارضه وينتتظم له من الكلام، أن صرف إليه همه مثل الذي انتظم له، وإن ذلك إن كان يطلب دعوته وانتفض أمره، وكان أحسن أحواله أن سومح فاستحى، وسوهل فاستبقى أن يصر بين الناس في الكذب آية، ولم يعلم له بعد ذلك عند أحد رأيه، فهذا إلى أن يذكر ما بعده دليل قاطع على أنه لم يقل للعرب إيتوا بمثله إن استطعتموه ولن تستطيعوا إلا وهو واثق متحقق أنهم لا يستطيعون، وليس يجوز أن يكون هذا اليقين وقع له من قبل نفسه، فصح أنه إنما وقع له من قبل ربه الذي أوحى إليه به موثق أجره وبالله التوفيق.

وأما ما بعد هذا فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: إثنوا بسورة من مثله إن كنتم صادقين فطالت المهلة والنظرة لهم في ذلك ولو أثرت الوقائع والحرب بينه وبينهم فقتلت صناديدهم وسيبت ذراريهم ونساؤهم وانتهبت أموالهم، ولم يتعرض أحد لمعارضته، فلو قدروا عليها فاتدوا بها أنفسهم وأولادهم واهليهم وأموالهم، وكان الإسم في ذلك قريبا منهلا عليه، إذا كانوا أهل لسان وفصاحة وشعر وخطابة، فلو لم يأتوا بذلك ولا ادعوه، صح أنهم كانوا عاجزين عنده في ظهور عجزهم عنه بيان أنهم في العجز مثلهم، إذ كان بشراً مثلهم، لسانه لسانهم وعاداته عاداتهم، وطباعه طباعهم، وزمانه زمانهم، وإن كان ذلك وقد جاء بالقرآن وجب القطع بأنه من عند الله لا من عنده وبالله التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015