وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شراب أمتي الذين غدوا بالنعيم ونبت منهم أجسادهم). وقال صلى الله عليه وسلم: (يدخل فقراء المسلمين قبل أغنيائهم الجنة بأربعين سنة). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تكلوا فوق شبعكم، وأطعموا فقراءكم، فوالذي نفس محمد بيده ما شبعت ثلاثة أيام متواليات منذ بعثني الله نبيًا من الحبة السمراء).

وعن عيسى بن مريم صلوات الله عليه قال: يا معشر الحواريين اعبروا الدنيا ولا تعمروها، إني لم أجد لكم فيها مسكنًا، واتخذ مساجد الله بيوتًا، واتخذوا بيوتكم مساجد ذلك مأوى.

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الحواريين، كلوا خبز الشعير بالملح الجريش، ولا تأكلوا الإبل شهوة وألبسوا مسرح الشعر، وأخرجوا من الدنيا سالمين آمنين، حق أقول لكم: أن حلاوة الدنيا مرارة في الآخرة. وإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين.

فإن قال قائل: ما وجه التقرب إلى الله عز وجل بالامتناع مما أباحه الله وأحله، ولم يخلقه إلا لمنقعة عباده من المطاعم الشهية، والملابس الناعمة البهية، والمساكن النزهة، والفرش اللينة؟ فإن قلتم: تتركها في الدنيا لئلا تنقص لأجلها حظوظنا من نعم الآخرة. قيل لكم: النقص من نعيم الآخرة حرمان، والحرمان عقوبة، ولا عقاب على من استحل حلالًا واستباح مباحًا. فلم قلتم أن التنعم بنعيم الدنيا ينقص من نعيم الآخرة أن يفوته؟

فالجواب- وبالله التوفيق-: أن الذي يظهر من وجه التقرب إلى الله عز وجل بترك التنعيم من نعيم الدنيا أمران: أحدهما إن المقيم في الدنيا غير عالم بما هو صائر إليه، وهو يتمثل بين أن يكون من أهل الجنة أو من أهل النار. وإذا كان كذلك لم يكن في حاله محمل للتلذذ والتنعم، لأن النعمة لا تكون نعمة حتى يهيئ صاحبها، ولا تهيؤ للنعمة مع الخوف، ولا خوف أشد من خوف النار. ومعلوم فيما بينا أن من كان من سلطانه على رجل من وعيد وقع له منه فلا يتهيأ معه بنعمة، ولم تمل نفسه إلى شيء من الشهوات ما لم يأمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015