أثر وجوب اشتراك الطرفين في وجه الشبه:
مما تقدم في تعريف وجه الشبه، وتقسيمه إلى تحقيقي، وتخييلي: يتبين أن لابد من وجوده في الطرفين -تحقيقا، أو تخيلا- فإذا لم يوجد في الطرفين على إحدى هاتين الصفتين لم يصح جعله وجه شبه- وإذن لا يصح أن يكون وجه الشبه في قولهم: "النحو في الكلام كالملح في الطعام": كون القليل مصلحا، والكثير مفسدا، لأن "المشبه، وهو "النحو، لا يشترك مع المشبه به المذكور في هذا المعنى أصلا إذ لا يحتمل النحو قلة ولا كثرة بل هو عبارة عن أن تراعي قواعده وأحكامه: مع رفع الفاعل ونصب المفعول، وغير ذلك فإن تحقق ذلك في الكلام كان صالحا، وإلا كان فاسدا بخلاف المشبه به فإنه يحتمل القلة والكثرة، والقليل منه مصلح، والكثير مفسد -وحينئذ لا يصح جعل المعنى المذكور وجه شبه، لعدم وجوده في كلا الطرفين- لا تحقيقا، ولا تخيلا.
أما ما يصلح وجه شبه بينهم فهو: الصلاح إذا استعملا، والفساد إذا أهملا وهذا المعنى -لا شك- موجود في الطرفين على السواء.
تنبيه:
قد يكون وجه الشبه في أحد الطرفين حقيقيا، وفي الآخر ادعائيا كما يقال في الجبان: "هو أسد" وفي البخيل: "هو حاتم" -فوجه الشبه، بين الطرفين في الأول "الشجاعة"، وفي الثاني "الجود"، وليس من شك، أن الشجاعة في الجبان والجود في البخيل كلاهما إدعائي لا حقيقي، فمثل هذا الكلام -في ظاهره- غير صحيح لأن وجه الشبه -كما قلنا- لابد أن يكون معنى مشتركا بين الطرفين. والطرفان في المثال الأول لم يشتركا في معنى "الشجاعة" لانعدامه في الجبان- كما لم يشتركا في معنى "الجود" في المثال الثاني لانعدامه في البخيل، فلا مندوحة إذا من توجيه يصح به مثل هذا التشبيه.