ب- خفي يحتاج في فهمه إلى تأمل ونظر. مثاله ما روي: أن فاطمة بنت الخرشب1 الأنمارية سئلت عن بنيها الأربعة: أيهم أفضل؟ فقالت: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها, تريد أن تقول: هم في تناسبهم في الشرف والشجاعة وعدم تفاوتهم فيهما، بحيث يمتنع تفضيل أحدهم على الآخر, كالحلقة المتصلة الجوانب فإن أجزاءها متناسبة في الصورة، يمتنع تعيين بعضها طرفًا وبعضها وسطًا, فوجه الشبه إذًا هو "التناسب الكلي الخالي عن التفاوت" وقد أشعر به قولها: "لا يدرى أين طرفاها" إلا أنه في المشبه تناسب في الشرف، وفي المشبه به تناسب في صورة الأجزاء وهو "كما ترى" خفي دقيق، فوق متناول مدارك العامة, ولا يدركه إلا من ارتفع منهم إلى طبقة الخاصة.
تنبيه:
من هذا المثال السابق يتضح: أن التشبيه المجمل لا يخرجه عن إجماله أن يذكر لأحد الطرفين, أو لكليهما وصف مشعر بوجه الشبه.
فمثال ما ذكر فيه وصف المشبه به دون المشبه قول فاطمة المتقدم، فإن قولها: "لا يدرى أين طرفاها" وصف للمشبه به، مشعر بوجه الشبه الذي هو "التناسب الكلي" إذ يفهم من عدم دراية الطرفين معنى التناسب في الأجزاء. ومثله قول زياد الأعجم:
فإنا وما تلقي لنا أن هجوتنا ... لكالبحر مهما تلق في البحر يغرق2