والتقدم الحكمي: هو ألا يتقدم المرجع لفظا، وليس ثم ما يقتضي تقدمه سوى حكم الواضع بأن المرجع يجب تقدمه, غير أنه خُولف فيه حكم الواضع، فأخر لنكتة بلاغية، والمتأخر لعرض متقدم حكما كما في باب "نعم وبئس1"، وضميري "رب والشأن" نحو: "نعم فصيحا سحبان2"، "بئس عييا باقل3" ونحو: "ربه فتى"، ومثل قول الشاعر:

هي الدنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار من بطشي وفتكي

فالمرجع في "نعم وبئس" هو المخصوص بالمدح أو الذم، وفي "رب" هو "فتى"، وفي الحال والشأن هو لفظ "الدنيا", وهو في كل هذه المثل لم يتقدم لفظا ولا معنى، ولكنه متقدم حكما من حيث إن وضع الضمير على أن يعود إلى متقدم، وإنما أخر هنا لنكتة هي البيان بعد الإبهام.

إلى هنا ظهر جليا أن كل ما سبق من الأمثلة مما تقدم فيه المرجع على الضمير لفظا, أو معنى، أو حكما فصيح لخلوه من ضعف التأليف؛ إذ إنه جرى على المشهور من قوانينهم، وأن ما لم يتقدم فيه المرجع أصلا كقولنا فيما سبق: "أنقذ خادمه الأمير" غير فصيح لضعف تأليفه؛ لأنه جرى على غير المشهور عندهم, وليس هذا من قبيل ما قدم فيه المرجع حكما؛ لأن تأخير المفعول في نحو المثال المذكور لا لنكتة بلاغية، بل لأن مرتبته التأخير عن الفاعل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015