قال أبو محمد: فهذا الكلام وإن أمكن المنتصر له أن يقول قد قيل أحسن الشعر أكذبه وإنما يريد أن يخرج عن حدّ الموجود إلى حدّ المفقود ليدلّ بوصفه الغاية وتجاوز النهاية، فأراد أبو نواس أن يدل على أنّ المخلوق من الممدوح على نهاية الخوف، إذ كان يطلق الخوف على من لم يخلق، ولا يجوز عليه الأمن والخوف.

قال أبو محمد: قلنا له هذه إرادته لا محالة ولكن إرادة الشاعر الذي قبله عند من حمد الأقتصاد، وفضل هذا الممكن أفضل وهذا الباب أكثر من أن يحصى وليس مما قصدنا له فيستحصى، وهذا مثال في علم المبالغة كاف، وقد قدمت، ذكر شيء منه في الرسالة والبيت الثالث قوله:

كَفى بجسمي نُحولاً أنَّني رَجلٌ ... لَوْلا مُخَاطَبتي إِيّاكَ لَمْ تَرَني

أخذه من قولِ القائل:

برى ضنىً لمْ يَدعْ مني سوى شجى ... لَوْ لَمْ أقلْ هَاأنا لِلَّناسِ لَمْ أبِنِ

ولا فرق بين اللفظين والمعنيين وهذا من باب مساواة الآخذ المأخوذ منه وصاحب البيت الأول أولى به.

وقد قال آخر:

هَا فانظُروني سَقيماً بَعْد فِرْقتكمْ ... لَوْ لَمْ أقلْ هَاأنا لِلناسِ لَمْ أبنِ

لَوْ أن إبرةَ رَفّاءٍ أكلّفُها ... جَريتُ في ثُقْبها منْ دقّةِ البدنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015