يَقَعُ عَلَى مُرْتَكِبِ خَطِيئَةٍ، قَدْ زَجَرَ اللَّهُ عَنْ إِتْيَانِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْخَطِيئَةُ كُفْرًا وَلَا شِرْكًا، وَلَا مَا يُقَارِبُهَا وَيُشْبِهُهَا، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ الْمُطِيعُ لِخَالِقِهِ فِي أَكْثَرِ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَنَدَبَهُ إِلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ غَيْرِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ، الْمُنْتَهِي عَنْ أَكْثَرِ الْمَعَاصِي وَإِنِ ارْتَكَبَ بَعْضَ الْمَعَاصِي وَالْحَوْبَاتِ فِي قَسْمِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَدَعَا مَعَهُ آلِهَةً، أَوْ جَعَلَ لَهُ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلَمْ يُؤْمِنْ أَيْضًا بِشَيْءٍ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَلَا أَطَاعَ اللَّهَ فِي شَيْءٍ أَمَرَهُ بِهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَلَا انْزَجَرَ عَنْ مَعْصِيَةٍ نَهَى اللَّهُ عَنْهَا مُحَالٌ أَنْ يَجْتَمِعَ هَذَانِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ النَّارِ، وَالْعَقْلُ مُرَكَّبٌ عَلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ خَطِيئَةً وَأَكْثَرَ ذَنُوبًا لَمْ يَتَجَاوَزِ اللَّهُ عَنْ ذُنُوبِهِ، كَانَ أَشَدَّ عَذَابًا فِي النَّارِ، كَمَا يَعْلَمُ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَقَرُّبًا إِلَيْهِ بِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَاجْتِنَابِ السَّيِّئَاتِ كَانَ أَرْفَعَ دَرَجَةً فِي الْجِنَّانِ، وَأَعْظَمَ ثَوَابًا وَأَجْزَلَ نِعْمَةً، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُسْلِمٌ أَنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ يَجْتَمِعُونَ فِي النَّارِ، فِي الدَّرَجَةِ، مَعَ مَنْ كَانَ يَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَدْعُو لَهُ شَرِيكًا أَوْ شُرَكَاءَ، فَيَدْعُو لَهُ صَاحِبَةً وَوَلَدًا، وَيَكْفُرُ بِهِ وَيُشْرِكُ، وَيَكْفُرُ بِكُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَيُكَذِّبُ جَمِيعَ الرُّسُلِ وَيَتْرُكُ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ، وَيَرْتَكِبُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي، فَيَعْبُدُ النِّيرَانَ وَيَسْجُدُ لِلْأَصْنَامِ، وَالصُّلْبَانِ، فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا الْبَابَ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ تَكْذِيبِ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي إِخْرَاجِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنَ النَّارِ إِذْ مُحَالٌ أَنْ يُقَالَ: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ لَيْسَ فِيهَا، وَأَمْحَلُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ مَنْ لَيْسَ فِيهَا، وَفِي إِبْطَالِ أَخْبَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - دُرُوسُ الدِّينِ وَإِبْطَالُ الْإِسْلَامِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ جَمِيعِ الْكُفَّارِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنَ النَّارِ، وَلَا سَوَّى بَيْنَ عَذَابِ جَمِيعِهِمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145] وَقَالَ: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] (?)
•••••••••••