واسمع حديثاً قد رَوَتْهُ الصَّبا ... تسنده عن بانة الأجرع
وابكِ فما ني العين من فضلةٍ ... وَنُبْ فَدَتكَ النفسُ عن مدمعي
يا هذا! إذا رأيت مُحباَ ولا تدري لمن، فَضَع يدكَ على نبضه، وَسمَ كُلّ من تظنُّه المحبوب، فإن النبضَ ينزعج عند ذكر الحبيب (إذا ذُكر الله وَجِلَتْ قلوبهم) .
حبيبي دون الكُل أنتَ حبيبُ ... فهل لي من قُرب إليك نصيبُ
تعرض لي من أيمن السرَب بارقٌ ... فَظَلَّتْ عوادي مُقْلَتي تصوبُ
أبى الشوق إلاّ أن قلبي بذكركم ... يقَلْقِلُه بين الضلوع وجيبُ
ركبتُ مطايا الوجد نحو دياركم ... وخوفي من قطع الطريق قريبُ
وكيفَ أُرَتجَي طيفكم أن يزورني ... وبين جفوني والرقاد حُروبُ
مريضُ اشتياقٍ ليس تنفعه الرُّقى ... فهل غير لقياي الحبيب طبيبُ
المحبّة نَبْضٌ في القلب لا تَفْتَر حركته، وسكون النبض علامة الموت.
يا ساكناَ فؤادي ... يا نازلاً جناني
يا من يراهُ قلبي ... لا مِلْتَ عن عياني
يا مهجتي وروحي ... يا غاية الأماني
تُرى تراك عيني ... يوماً من الزمانِ
وأن يكون حظي ... في الحمبِّ أن تراني
يا واقفاَ في الصلاة بجسده والقلبُ غائب، أتدري بين يدي من أنت قائم؟ أتدري من اطلع عليك ما يصلح ما بذلتَه من التعبد مهراً للجنة فكيف ثَمَناً للمحبة؟ ْ رأت فاْرة جَمَلاً فأعجبها، فَجَرَتْ بخطامه فتبعها، فلمّا وصل إلى باب بيتها وقف ونادى بلسان الحال: إمّا أن تتَخذي داراً تليقُ بمحبوبك أو محبوباَ يليقُ بداركْ خُذْ من هذا إشارة إما أن تُصَلِّي صلاةً تليقُ بمعبودك أو معبوداً يليقُ بصلاتك. يا مَنْ وافق القوم، ولو بعض يوم، لك في طريقهم ذوق، فأين الشوق؟ كنتَ تدّعي حُبَّنا وتؤثر الشوق منّا، فما هذا الصبرُ الذي عَن عَنّا؟ تعرفُ رياح الأسحار، وما تعرفُ المهبّ، ولكن دخل فصلُ برد الفتور ولم يحترز فأصابك ركام الغفلة.
يا صاحبيّ أطيلا في مؤانستي ... وناشداني بِخلاني وعُشاقي
وحَدِّثا في حديث الخيف إنّ له ... زوجاً لقلبي وتسهيلاً لأخلاقي
ما ضَرَّريح الصبا لونا سَمَتْ حُرقي ... واستنقذت مهجتي من أَسْرِ أشواقي
داءٌ تقادم عندي من يعالجُهُ ... وَحيَّةٌ لَدَغت قلبي من الراقي
يمضي الزمانُ وآمالي مصَرَّمةٌ ... مِمَّنْ أُحِبُ على مَطْلٍ وإملاقِ
واضيعة العمر لا الماضي انتفعتُ به ... ولاحَصَلْتُ على شيءٍ من الباقي
يا مَنْ ذهب عمره في البَطالةْ، ورضيَ من الدنيا بأقبح حالَةْ، معمور الظاهر والباطن مهدوم، يا معاسر العُصاة لا تحتقروا ذنباً وإن صَغُر، فإنّ الحشيش يفتل منه الحَبْل فيخنق الفيل المغتلم، أول الحريق شرارة، يا من يُذنب ولا يتوبُ يا من أعمت قلبَهُ الذنوبُ، يَعِدُ بالتوبة ولا وَعْدَ عُرقوب، إلى متى تتعثر في ظلمة البعادْ وعدْ نفسك بتوبةٍ واعزم وقد حَصَّلْتها.
وَعَدْتَ نفسكَ توبةً ... اعِزم وقد حَصَلْتَها
إلى متى تتعثر في ظلمة الميعاد، قد صاح بوقُ رحيلك، وحُطَتْ أطنابُ الخيم، وما نرى لك مركب، وما نرى لك زاد، جمعت مالكَ - لعيرك والدار يسكنها العدوُّ، ناظرتَ خطَّ ابن مقلة، غلِظْتَ في بُوجاد. فيا مشتاقين أين شوقكم إلى ما فارقتم؟ وأين توقكم إلى ما ألفتم؟ يا قيس المحبة مُتْ على قبر ليلى:
خذا من صبا نجدِ أماناً لقلبهِ ... فقد تهاد ريّاها يطيرُ بِلُبِّهِ
وإيّاكُما ذاك النسيمُ فإنَهُ ... إذا هَبَّ كان الموت أَيْسَر خَطْبهِ
خليليَّ لو أحببتما لعلمتُما ... مَحَلَّ الهوى من مغرم القلب صَبَّه
آخر كتاب المنثور لابن الجوزي رحمه الله والحمد لله ربّ العالمين وصلواته على سيدنا محمد واله وصحبه وسلامه آمين.