مُبْطلًا لحجة هَؤُلَاءِ الفلاسفة على قدم الْعَالم
فَإِن أصل حجتهم أَن الْحَوَادِث لَا تحدث إِلَّا بِسَبَب حَادث فَإِذا جوزوا حدوثها عَن الْقَادِر الْمُخْتَار بِلَا حَادث أَو جوزوا حدوثها بالإرادة الْقَدِيمَة بطلت عمدتهم وهم لَا يجوزون ذَلِك
وأصل هَذَا الدَّلِيل أَنه لَو كَانَ شَيْء من الْعَالم قَدِيما للَزِمَ أَن يكون صدر عَن مُؤثر تَامّ سَوَاء سمى عِلّة تَامَّة أَو مُوجبا بِالذَّاتِ أَو قيل إِنَّه قَادر مُخْتَار وإختياره أزلي مُقَارن لمراده
وسر ذَلِك أَن مَا كَانَ كَذَلِك لزم أَن يقارنه أَثَره الْمُسَمّى معلولا أَو مرَادا أَو مُوجبا بِالذَّاتِ أَو مبدعا أَو غير ذَلِك من الْأَسْمَاء لَكِن مُقَارنَة ذَلِك لَهُ فِي الْأَزَل تَقْتَضِي أَن لَا يحدث عَنهُ شَيْء بعد أَن لم يكن حَادِثا وَلَو لم يكن كَذَلِك لم يكن للحوادث فَاعل بل كَانَت حَادِثَة بِنَفسِهَا لَا سِيمَا قَول من يَقُول إِن الْعَالم صدر عَن ذَات بسيطة لَا تقوم بهَا صفة وَلَا فعل كإبن سينا وَغَيره
إِلَى أَن قَالَ شَيخنَا وَإِنَّمَا الْقَصْد هُنَا التَّنْبِيه على أصل مَسْأَلَة التَّعْلِيل
فَإِن هَذَا المبتدع أَخذ يشنع على أهل السّنة بمسائل لَا يذكر حَقِيقَتهَا وَلَا أدلتها وينقلها على الْوَجْه الْفَاسِد وَمَا يَنْقُلهُ عَن أهل السّنة خطأ أَو كذب عَلَيْهِم أَو على كثير مِنْهُم وَمَا صدق فِيهِ فَقَوْلهم فِيهِ خير من قَوْله
فَإِن غَالب شناعته هُنَا على الأشعرية وهم خير من الْمُعْتَزلَة والرافضة
وَيَقُولُونَ لَهُم لما كَانَ هَذَا الدَّلِيل عمدتكم إستطال عَلَيْكُم الدهرية والفلاسفة وَابْن سينا
وَهَذَا الدَّلِيل منَاف فِي الْحَقِيقَة لحدوث الْعَالم لَا مُسْتَلْزم لَهُ فَإِذا كَانَ هَذَا الْحَادِث لَا بُد لَهُ من سَبَب حَادث وَكَانَ هَذَا الدَّلِيل مستلزما لحدوث بِلَا سَبَب لزم أَن لَا يكون